أعطانا الكشف إلا الذي قبل ذلك الألف فوقفنا عنده وسميناه آخرا كما شهدنا هناك وأثبتنا الألف كما رأينا هنا ولكن في فصل آخر لا في هذا الفصل فإنا لا نزيد في التقييد في هذه الفصول على ما نشاهده بل ربما نرغب في نقص شئ منها مخافة التطويل فنسعف في ذلك من جهة الرقم واللفظ ونعطي لفظا يعم تلك المعاني التي كثرت ألفاظها فنلقيه فلا يخل بشئ من الإلقاء ولا ننقص ولا يظهر لذلك الطول الأول عين فينقضي المرغوب لله الحمد وأما الطبقة الرابعة من الخواص وهم صفاء الخلاصة وهم حروف بسم الله الرحمن الرحيم وما ذكرت إلا حيث ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على حد ما ذكرها الله له بالوجهين من الوحي وهو وحي القرآن وهو الوحي الأول فإن عندنا من طريق الكشف إن الفرقان حصل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنا مجملا غير مفصل الآيات والسور ولهذا كان ع يعجل به حين كان ينزل عليه به جبريل ع بالفرقان فقيل له ولا تعجل بالقرآن الذي عندك فتلقيه مجملا فلا يفهم عنك من قبل أن يقضى إليك وحيه فرقانا مفصلا وقل رب زدني علما بتفصيل ما أجملته في المعاني وقد أشار من باب الأسرار فقال إنا أنزلناه في ليلة ولم يقل بعضه ثم قال فيها يفرق كل أمر حكيم وهذا هو وحي الفرقان وهو الوجه الآخر من الوجهين وسيأتي الكلام على بسم الله الرحمن الرحيم في بابه الذي أفردت له في هذا الكتاب واعلموا أن بسملة سورة براءة هي التي في النمل فإن الحق تعالى إذا وهب شيئا لم يرجع فيه ولا يرده إلى العدم فلما خرجت رحمة براءة وهي البسملة حكم التبري من أهلها برفع الرحمة عنهم فوقف الملك بها لا يدري أين يضعها لأن كل أمة من الأمم الإنسانية قد أخذت رحمتها بإيمانها بنبيها فقال أعطوا هذه البسملة للبهائم التي آمنت بسليمان ع وهي لا يلزمها إيمان إلا برسولها فلما عرفت قدر سليمان وآمنت به أعطيت من الرحمة الإنسانية حظا وهو بسم الله الرحمن الرحيم الذي سلب عن المشركين وفي هذه السورة الجساسة وأما الطبقة الخامسة وهي عين صفاء الخلاصة فذلك حرف الباء فإنه الحرف المقدم لأنه أول البسملة في كل سورة والسورة التي لم يكن فيها بسملة ابتدئت بالباء فقال تعالى براءة قال لنا بعض الإسرائيليين من أحبارهم ما لكم في التوحيد حظ لأن سور كتابكم بالباء فأجبته ولا أنتم فإن أول التوراة باء فأفحم ولا يتمكن إلا هذا فإن الألف لا يبتدئ بها أصلا فما وقع من هذه الحروف في مبادي السور قلنا فيه له بداية الطريق وما وقع آخرا قلنا له غاية الطريق وإن كان من العامة قلنا له وسط الطريق لأن القرآن هو الصراط المستقيم وأما قولنا مرتبته الثانية حتى إلى السابعة فنريد بذلك بسائط هذه الحروف المشتركة في الأعداد فالنون بسائطه اثنان في الألوهية والميم بسائطه ثلاثة في الإنسان والجيم والواو والكاف والقاف بسائطه أربعة في الجن والذال والزاي والصاد والعين والضاد والسين والذال والغين والشين بسائطه خمسة في البهائم والألف والهاء واللام بسائطه ستة في النبات والباء والحاء والطاء والياء والفاء والراء والتاء والثاء والخاء والظاء بسائطه سبعة في الجماد وأما قولنا حركته معوجة أو مستقيمة أو منكوسة أو ممتزجة أو أفقية فأريد بالمستقيمة كل حرف حرك الهمة إلى جانب الحق خاصة من جهة السلب إن كنت عالما ومن جهة ما يشهد إن كنت مشاهدا والمنكوسة كل حرف حرك الهمة إلى الكون وأسراره والمعوجة وهي الأفقية كل حرف حرك الهمة إلى تعلق المكون بالمكون والممتزجة كل حرف حرك الهمة إلى معرفة أمرين مما ذكرت لك فصاعدا وتظهر في الرقم في الألف والميم المعرق والحاء والنون وما أشبه هؤلاء وأما قولنا له الأعراف والخلق والأحوال والكرامات أو الحقائق والمقامات والمنازلات فاعلموا أن الشئ لا يعرف إلا بوجهه أي بحقيقته فكل ما لا يعرف الشئ إلا به فذلك وجهه فنقط الحرف وجهه الذي يعرف به والنقط على قسمين نقط فوق الحرف ونقط تحته فإذا لم يكن للشئ ما يعرف به عرف بنفسه مشاهدة وبضده نقلا وهي الحروف اليابسة فإذا دار الفلك أي فلك المعارف حدثت عنه الحروف المنقوطة من فوق وإذا دار فلك الأعمال حدثت عنه الحروف المنقوطة من أسفل وإذا دار فلك المشاهدة حدثت عنه الحروف اليابسة غير المنقوطة ففلك المعارف يعطي الخلق والأحوال والكرامات وفلك الأعمال يعطي الحقائق والمقامات والمنازلات وفلك المشاهدة يعطي البراءة من هذا كله قيل لأبي يزيد كيف أصبحت قال لا صباح لي ولا مساء إنما الصباح والمساء لمن تقيد بالصفة وأنا لا صفة لي
(٨٣)