عزيز حكيم لا يتوصل أحد إلى معرفة كنه الألوهة أبدا ولا ينبغي لها أن تدرك عزت وتعالت علوا كبيرا فالعالم كله من أوله إلى آخره مقيد بعضه ببعضه عابد بعضه بعضا معرفتهم منهم إليهم وحقائقهم منبعثة عنهم بالسر الإلهي الذي لا يدركونه وعائدة عليهم فسبحان من لا يجارى في سلطانه ولا يداني في إحسانه لا إله إلا هو العزيز الحكيم فبعد فهم جوامع الكلم الذي هو العلم الإحاطي والنور الإلهي الذي اختص به سر الوجود وعمد القبة وساق العرش وسبب ثبوت كل ثابت محمد صلى الله عليه وسلم فاعلموا وفقكم الله أن جوامع الكلم من عالم الحروف ثلاثة ذات غنية قائمة بنفسها وذات فقيرة إلى هذه الغنية غير قائمة بنفسها ولكن يرجع منها إلى الذات الغنية وصف تتصف به يطلبها بذاته فإنه ليس من ذاتها إلا بمصاحبة هذه الذات لها فقد صح أيضا من وجه الفقر للذات الغنية القائمة بنفسها كما صح للأخرى وذات ثالثة رابطة بين ذاتين غنيتين أو ذاتين فقيرتين أو ذات فقيرة وذات غنية وهذه الذات الرابطة فقيرة لوجود هاتين الذاتين ولا بد فقد قام الفقر والحاجة بجميع الذوات من حيث افتقار بعضها إلى بعض وإن اختلفت الوجوه حتى لا يصح الغني على الإطلاق إلا لله تعالى الغني الحميد من حيث ذاته فلنسم الغنية ذاتا والذات الفقيرة حدثا والذات الثالثة رابطة فنقول الكلم محصور في ثلاث حقائق ذات وحدث ورابطة وهذه الثلاثة جوامع الكلم فيدخل تحت جنس الذات أنواع كثيرة من الذوات وكذلك تحت جنس كلمة الحدث والرابط ولا نحتاج إلى تفصيل هذه الأنواع ومساقها في هذا الكتاب وقد اتسع القول في هذه الأنواع في تفسير القرآن لنا وإن شئت أن تقيس على ما ذكرناه فانظر في كلام النحويين وتقسيمهم الكلم وفي الاسم والفعل والحرف وكذلك المنطقيين فالإسم عندهم هو الذات عندنا والفعل عندهم هو الحدث عندنا والحرف عندهم هو الرابطة عندنا وبعض الأحداث عندهم بل كلها أسماء كالقيام والقعود والضرب وجعلوا الفعل كل كلمة مقيدة بزمان معين ونحن إنما قصدنا بالكلمات الجري على الحقائق بما هي عليه فجعلنا القيام وقام ويقوم وقم حدثا وفصلنا بينهم بالزمان المبهم والمعين وقد تفطن لذلك الزجاجي فقال والحدث الذي هو القيام مثلا هو المصدر يريد هو الذي صدر من المحدث وهو اسم الفعل يريد أن القيام هذه الكلمة اسم لهذه الحركة المخصوصة من هذا المتحرك الذي بها سمي قائما فتلك الهيئة هي التي سميت قياما بالنظر إلى حال وجودها وقام بالنظر إلى حال انقضائها وعدمها ويقوم وقم بالنظر إلى توهم وقوعها ولا توجد أبدا إلا في متحرك فهي غير قائمة بنفسها ثم قال والفعل يريد لفظة قام ويقوم لا نفس الفعل الصادر من المتحرك قائما مثلا مشتق منه الهاء تعود على لفظة اسم الفعل الذي هو القيام مأخوذ يعني قام ويقوم من القيام لأن النكرة عنده قبل المعرفة والمبهم نكرة والمختص معرفة والقيام مجهول الزمان وقام مختص الزمان ولو دخلت عليه أن ويقوم مختص الزمان ولو دخلت عليه لم وهذا مذهب من يقول بالتحليل إنه فرع عن التركيب وأن المركب وجد مركبا وعلى مذهب من يقول بالتفريق وأن التركيب طارئ وهو الذي يعضد في باب النقل أكثر فإن الأظهر أن المعرفة قبل النكرة وأن لفظة زيد إنما وضعت لشخص معين ثم طرأ التنكير بكونه شورك في تلك اللفظة فاحتيج إلى التعريف بالنعت والبدل وشبه ذلك فالمعرفة أسبق من النكرة عند المحققين وإن كان لهؤلئك وجه هذا أليق وأما نحن ومن جرى مجرانا ورقى مرقانا الأشمخ فغرضنا أمر آخر ليس هو قول أحدهما مطلقا إلا بنسب وإضافات ونظر إلى وجوه ما يطول ذكرها ولا تمس الحاجة إليها في هذا الكتاب إذ قد ذكرناها في غيره من تواليفنا فلنبين أن الحركات على قسمين حركة جسمانية وحركة روحانية والحركة الجسمانية لها أنواع كثيرة سيأتي ذكرها في داخل الكتاب وكذلك الروحانية ولا نحتاج منها في هذا الكتاب إلا إلى حركات الكلام لفظا وخطا فالحركات الرقمية كالأجسام والحركات اللفظية لها كالأرواح والمتحركات على قسمين متمكن ومتلون فالمتلون كل متحرك تحرك بجميع الحركات أو ببعضها فالمتحرك بجميعها كالدال من زيد والمتحرك ببعضها كالأسماء التي لا تنصرف في حال كونها لا تنصرف فإنها قد تنصرف في التنكير والإضافة كالدال من أحمد والمتمكن كل متحرك ثبت على حركة واحدة ولم ينتقل عنها كالأسماء المبنية مثل هؤلاء وحذام وكحروف الأسماء المعربة التي قبل حرف الإعراب منها كالزاي والياء من زيد وشبهه واعلم أن أفلاك الحركات هي أفلاك
(٨٦)