منا في هذه الدنيا لهلك لقوة رائحته تمتد ما شاء الله إن تمتد ودخلت في هذه الأرض أرضا من الذهب الأحمر اللين فيها أشجار كلها ذهب وثمرها ذهب فيأخذ التفاحة أو غيرها من الثمر فيأكلها فيجد من لذة طعمها وحسن رائحتها ونعمتها ما لا يصفها واصف تقصر فاكهة الجنة عنها فكيف فاكهة الدنيا والجسم والشكل والصورة ذهب والصورة والشكل كصورة الثمرة وشكلها عندنا وتختلف في الطعم وفي الثمرة من النقش البديع والزينة الحسنة ما لا تتوهمه نفس فأحرى إن تشهده عين ورأيت من كبر ثمرها بحيث لو جعلت الثمرة بين السماء والأرض لحجبت أهل الأرض عن رؤية السماء ولو جعلت على الأرض لفضلت عليها أضعافا وإذا قبض عليها الذي يريد أكلها بهذه اليد المعهودة في القدر عمها بقبضته لنعمتها ألطف من الهواء يطبق عليها يده مع هذا العظم وهذا مما تحيله العقول هنا في نظرها ولما شاهدها ذو النون المصري نطق بما حكي عنه من إيراد الكبير على الصغير من غير أن يصغر الكبير أو يكبر الصغير أو يوسع الضيق أو يضيق الواسع فالعظم في التفاحة على ما ذكرته باق والقبض عليها باليد الصغيرة والإحاطة بها موجود والكيفية مشهودة مجهولة لا يعرفها إلا الله وهذا العلم مما انفرد الحق به واليوم الواحد الزماني عندنا هو عدة سنين عندهم وأزمنة تلك الأرض مختلفة قال ودخلت فيها أرضا من فضة بيضاء في الصورة ذات شجر وأنهار وثمر شهي كل ذلك فضة وأجسام أهلها منها كلها فضة وكذلك كل أرض شجرها وثمرها وأنهارها وبحارها وخلقها من جنسها فإذا تنوولت وأكلت وجد فيها من الطعم والروائح والنعمة مثل سائر المأكولات غير أن اللذة لا توصف ولا تحكى ودخلت فيها أرضا من الكافور الأبيض وهي في أماكن منها أشد حرارة من النار يخوضها الإنسان ولا تحرقه وأماكن منها معتدلة وأماكن باردة وكل أرض من هذه الأرضين التي هي أماكن في هذه الأرض الكبيرة لو جعلت السماء فيها لكانت كحلقة في فلاة بالنسبة إليها وما في جميع أراضيها أحسن عندي ولا أوفق لمزاجي من أرض الزعفران وما رأيت عالما من عالم كل أرض أبسط نفوسا منهم ولا أكثر بشاشة بالوارد عليهم يتلقونه بالترحيب والتأهيل ومن عجائب مطعوماتها أنه أي شئ أكلت منها إذا قطعت من الثمرة قطعة نبتت في زمان قطعك إياها مكانها ما سد تلك الثلمة أو تقطف بيدك ثمرة من ثمرها فزمان قطفك إياها يتكون مثلها بحيث لا يشعر بها إلا الفطن فلا يظهر فيها نقص أصلا وإذا نظرت إلى نسائها ترى أن النساء الكائنين في الجنة من الحور بالنسبة إليهن كنسائنا من البشر بالنسبة إلى الحور في الجنان وأما مجامعتهن فلا يشبه لذتها لذة وأهلها أعشق الخلق فيمن برد عليهم وليس عندهم تكليف بل هم مجبولون على تعظيم الحق وجلاله تعالى لو راموا خلاف ذلك ما استطاعوا وأما أبنيتهم فمنها ما يحدث عن همهم ومنها ما يحدث كما تبنى عندنا من اتخاذ الآلات وحسن الصنعة ثم إن بحارها لا يمتزج بعضها ببعض كما قال تعالى مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فتعاين منتهى بحر الذهب تصطفق أمواجه ويباشره بالمجاورة بحر الحديد فلا يدخل من واحد في الآخر شئ وماؤهم ألطف من الهواء في الحركة والسيلان وهو من الصفاء بحيث أن لا يخفى عنك من دوابه ولا من الأرض التي يجري البحر عليها شئ فإذا أردت أن تشرب منه وجدت له من اللذة ما لا تجده لمشروب أصلا وخلقها ينبتون فيها كسائر النباتات من غير تناسل بل يتكونون من أرضها تكون الحشرات عندنا ولا ينعقد من مائهم في نكاحهم ولد وإن نكاحهم إنما هو لمجرد الشهوة والنعيم وأما مراكبهم فتعظم وتصغر بحسب ما يريده الراكب وإذا سافروا من بلد إلى بلد فإنهم يسافرون برا وبحرا وسرعة مشيهم في البر والبحر أسرع من إدراك البصر للمبصر وخلقها متفاوتون في الأحوال ففيهم من تغلب عليهم الشهوات وفيهم من يغلب عليهم تعظيم جناب الحق ورأيت فيها ألوانا لا أعرفها في ألوان الدنيا ورأيت فيها معادن تشبه الذهب وما هي بذهب ولا نحاس وأحجارا من اللآلئ ينفذها البصر لصفائها شفافة من اليواقيت الحمر ومن أعجب ما فيها إدراك الألوان في الأجسام السفلية التي هي كالهواء ويتعلق الإدراك بألوانها كما يتعلق بالألوان التي في الأجسام الكثيفة وعلى أبواب مدائنها عقود من الأحجار الياقوتية كل حجر منها يزيد على الخمسمائة ذراع وعلو الباب في الهواء عظيم وعليه معلق من الأسلحة والعدد ما لو اجتمع ملك الأرض كلها ما وفي بها وعندهم ظلمة ونور من غير شمس تتعاقب وبتعاقبهما يعرفون الزمان وظلمتهم لا تحجب البصر عن مدركه كما لا يحجبه النور ويغزو بعضهم
(١٢٨)