كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا ويقول كانا يحدثاني ويؤنساني فذهبا جميعا وقال الشافعي انه مباح إلى أن تخرج الروح فإذا خرجت كره لان النبي صلى الله عليه وآله جاء إلى عبد الله بن ثابت يعوده فوجده قد غلب عليه فصاح به فلم يجبه فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وآله وقال غلبنا عليك يا أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال له النبي صلى الله عليه وآله دعهن فإذ أوجب فلا تبكين باكية يعنى إذا مات وهو محمول على رفع الصوت لان النبي صلى الله عليه وآله اخذ ابنه فوضعه إلى حجره فبكى فقال عبد الرحمن بن عوف أتبكي أولم تكن نهيت عن البكاء فقال لا ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند مصيبة وخمش وجوه وشق جيوب وزمة الشيطان وهو يدل على أن النهى ليس عن مطلق البكاء بل موصوفا بهذه الصفات فروع - آ - نقل عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه وحمله قوم على ظاهره لان النبي صلى الله عليه وآله قال ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول وا جيلاه وا سيداه وغير ذلك الا وكل الله به ملكين يلهزانه أهكذا كنت وأنكر ابن عباس وعايشة ذلك وقالت عايشة والله ما قال النبي صلى الله عليه وآله قال إن الله ليزيد على الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وحسبكم القران ولا تزر وازرة وزر أخرى وقال ما كان النوح سنة ولم ينه أهله عنه لقوله تعالى قوا أنفسكم وأهليكم نارا وأحسن ما بلغنا فيه أن الجاهلية كانوا ينوحون ويعدون أفعالهم التي هي قتل النفس والغارة على الأموال فأراد انهم يعذبون بما كانوا يبكون به عليهم ولا بد من حمل هذا الحديث على البكاء الذي ليس بمشروع كالذي معه اللطم والخدوش والقول السئ لما بينا من جوازه وقال الصادق (ع) ان إبراهيم خليل الرحمن سال ربه أن يرزقه ابنة تبكية بعد موته - ب - لا بأس بالنوح والندب بتعداد فضائله واعتماد الصدق وهو قول احمد لان فاطمة (ع) كانت تنوح على النبي صلى الله عليه وآله كقولها يا أبتاه من ربه ما أدناه يا أبتاه إلى جبرئيل انعاه يا أبتاه أجاب ربا دعاه وجماعة من أصحاب الحديث من الجمهور حرموه لان النبي صلى الله عليه وآله نهى عنه ويحمل على اقترانه بكذب والدعاء بالويل والثبور فقد روى أن أهل الميت إذا دعوا بالويل والثبور وقف ملك الموت في عتبة الباب وقال إن كان صيحتكم على فانى مأمور وإن كان على ميتكم فإنه مقبور وإن كان على ربكم فالويل لكم والثبور وان لي فيكم عودات ثم عودات ولما انصرف النبي صلى الله عليه وآله من وقعة أحد إلى المدينة سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا وبكاء ولم يسمع من دار عمه حمزة فقال (ع) لكن حمزة لا بواكي له فإلى أهل المدينة ان لا ينوحوا على ميت ولا يبكوه حتى يبدءوا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه فهم إلى اليوم على ذلك - ج - يجوز الوقف على النايحة لأنه فعل سايغ فلا مانع من الوقف عليه وقال الصادق (ع) قال لي الباقر (ع) أوقف لي من مالي كذا وكذا النوادب يندبنني عشر سنين بمنى أيام منى وقصد (ع) بذلك عدم انقطاع ذكره والتسليم عليه - د - كره الشافعي المأتم وهو الاجتماع لما فيه من تجديد الحزن وكذلك قال يكره المبيت في المقبرة لما فيه من الوحشة - ه - يجوز شق الثوب في موت الأب والأخ لان الهادي (ع) لما قبض شق العسكري قميصه من خلف وقدام - و - كلما يفعل من القرب ويجعل ثوابه للميت فإنه يصله نفعه إما الدعاء والاستغفار والصدقة وأداء الواجبات التي تدخلها النيابة فاجماع قال الله تعالى يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا واستغفر لذنبك وللمؤمنين وقال رجل للنبي صلى الله عليه وآله ان أمي ماتت أفينفعها ان تصدقت عنها قال نعم وقال الصادق (ع) يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ويكتب اجره للذي يفعله وللميت واما ما عداها فإنه عندنا كذلك وبه قال احمد لان النبي (ص) قال من دخل المقابر فقراء سورة يس خفف عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات وقال لعمرو بن العاص لو كان أبوك مسلما فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك ومن طريق الخاصة قول الصادق (عليه السلام) من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف له اجره ونفع الله به الميت ولأنه عمل بر وطاعة فوصل نفعه وثوابه إليه كالواجبات وقال الشافعي ما عدا الواجبات والصدقة والدعاء والاستغفار لا يفعل عن الميت ولا يصل ثوابه إليه لقوله تعالى وان ليس للانسان الا ما سعى وقوله (ع) إذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له والآية مخصوصة بما وافقنا عليه والمختلف في معناه فيحمل عليه ولا حجة في الخبر لدلالته على انقطاع عمله وهذا ليس من عمله ومخصوص بمحل الوفاق فيحمل عليه محل الخلاف للمشاركة في المعنى مسألة يستحب تعزية أهل الميت باجماع العلماء لقوله (ع) من عزى مصابا فله مثل اجره ومن طريق قول رسول الله صلى الله عليه وآله من عزى حزينا كسى في الموقف حلة يجبر بها وقال (ع) التعزية تورث الجنة والمراد منها تسلية أهل المصيبة وقضاء حقوقهم والتقرب إليهم واطفاء نار الحزن عنهم وتسليتهم بمن سبق من الأنبياء والأئمة (على) وتذكيرهم الثواب على الصبر واللحاق بالميت فروع - آ - لا خلاف في استحباب التعزية قبل الدفن واما بعده فهو قول أكثر العلماء لقوله (ع) ما من مؤمن يعزى أخاه بمصيبة الا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيمة وهو عام قبل الدفن وبعده ومن طريق الخاصة قول هشام بن الحكم رأيت الكاظم (ع) يعزى قبل الدفن وبعده وعزى الصادق (عليه السلام) رجلا بابن له فقال الله خير لابنك منك وثواب الله خير لك منه فبلغه جزعه بعد ذلك فعاد إليه فقال له قد مات رسول الله صلى الله عليه وآله فمالك به أسوة فقال إنه كان مرهقا فقال إن امامه ثلاث خصال شهادة ان لا إله إلا الله ورحمة الله وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ولن يفوته واحدة منهن انشاء الله ولان القصد التسلية والحزن يحصل بعد الدفن كما حصل قبله وقال الثوري لا تستحب التعزية بعد الدفن لأنه خاتمة امره ولقول الصادق (عليه السلام) ليس التعزية الا عند القبر ثم ينصرفون وهو غير مناف لبقاء الحزن عند الاحياء بعد خاتمة أمر الميت وقول الصادق (ع) يشمل قبل وبعد - ب - قال الشيخ التعزية بعد الدفن أفضل وهو جيد لقوله (ع) التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن ولاشتغالهم بميتهم ولأنه بعد الدفن يكثر الجزع حيث هو وقت المفارقة لشخصه والانقلاب عنه - ج - قال الشيخ يجوز أن يتميز صاحب المصيبة عن غيره بارسال طرف العمامة أو اخذ مئزر فوقها على الأب والأخ فاما غيرهما فلا يجوز على حال والوجه عندي استحباب الامتياز في الأب والأخ وغيرهما لان رسول الله وضع رداءه في جنازة سعد بن معاذ وقال رأيت الملائكة قد وضعت (أرديتها) أجنحتها فوضعت ردائي ولما مات إسماعيل تقدم الصادق (ع) السرير بغير رداء ولا حذاء وقال (ع) ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداءه حتى يعلم الناس انه صاحب المصيبة - د - قد منع وضع الرداء في مصيبة غيره - ه - يستحب تعزية جميع أهل المصيبة كبارهم وصغارهم لئلا يتشبه بصاحبها وقال (ع) ملعون ملعون من وضع رداءه في مصيبة غيره يستحب تعزية جميع أهل المصيبة كبارهم وصغارهم ويختص من ضعف منهم عن تحمل المصيبة لحاجة إليها ولا فرق بين الرجل والمراة لقوله (ع) من عزى ثكلى كسى بردا في الجنة نعم يكره تعزية الرجل المراة الشابة الأجنبية حذرا الفتنة - و - الأقرب جواز تعزية أهل الذمة وبه قال الشافعي واحمد في رواية لأنه كالعبادة وقد عاد النبي صلى الله عليه وآله غلاما من اليهود مرض فقعد عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال اطع أبا القاسم فأسلم فقام النبي صلى الله عليه وآله وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه من النار وفى أخرى المنع لقوله (ع) لابتدأوهم بالسلام وهذا في معناه - ز - يقول في تعزية الكافر اخلف الله عليك ولا نقص عددك ويقصد كثرة العدد لزيادة الجزية وفى تعزية المسلم بالكافر أعظم الله اجرك واخلف عليك وفى تعزية الكافر بالمسلم أعظم الله اجرك أحسن عزاءك وغفر لميتك - ح - ليس في التعزية شئ موظف واستحب بعض الجمهور ما رواه الصادق (ع) عن الباقر (ع) عن زين العابدين (ع) قال لما توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وجاءت التعزية سمعوا قايلا يقول إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل ما فات فبالله فثقوا وإياه فارجوا فان المصاب من حرم الثواب وعزى الصادق (ع)
(٥٨)