والرأفة والحنان والسكينة والوقار والنزول والتواضع وفيهم نزلت هذه الآية وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما وفيهم نزل أيضا على الرقيقة المحمدية التي تمتد إليهم منه من كونه أوتي جوامع الكلم أتى إليهم بها رسولهم فقال تعالى والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وفيهم وقلوبهم وجلة وفيهم والذين هم في صلاتهم خاشعون وفيهم وخشعت الأصوات للرحمن وهذا القبيل من الحروف هو أيضا الذي نقول فيه إنه من اللطف لما ذكرناه فهذا من جملة المعاني التي نطلق عليه منه عالم الغيب واللطف (والقسم الآخر يسمى عالم الشهادة والقهر) وهو كل عالم من عالمي الحروف جرت العادة عندهم إن يدركوه بحواسهم وهو ما بقي من الحروف وفيهم قوله تعالى فاصدع بما تؤمر وقوله تعالى واغلظ عليهم وقوله وأجلب عليهم بخيلك ورجلك فهذا عالم الملك والسلطان والقهر والشدة والجهاد والمصادمة والمقارعة ومن روحانية هذه الحروف يكون لصاحب الوحي الغت والغط وصلصلة الجرس ورشح الجبين ولهم يا أيها المزمل ويا أيها المدثر كما أنه في حروف عالم الغيب نزل به الروح الأمين على قلبك لا تحرك به لسانك لتعجل به ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما وأما قولنا والملك والجبروت أو الملكوت فقد تقدم ذكره في أول هذا الباب عند قولنا ذكر مراتب الحروف وأما قولنا مخرجه كذا فمعلوم عند القراء وفائدته عندنا إن تعرف أفلاكه فإن الفلك الذي جعله الله سببا لوجود حرف ما ليس هو الفلك الذي وجد عنه حرف غيره وإن توحد الفلك فليست الدورة واحدة بالنظر إلى تقدير ما تفرضه أنت في شئ تقتضي حقيقته ذلك الفرض ويكون في الفلك أمر يتميز عندك عن نفس الفلك تجعله علامة في موضع الفرض وترصده فإذا عادت العلامة إلى حد الفرض الأول فقد انتهت الدورة وابتدأت أخرى قال ع إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلقه الله وسيأتي بيان هذا الحديث في الباب الحادي عشر من هذا الكتاب وأما قولنا عدده كذا وكذا أو كذا دون كذا فهو الذي يسميه بعض الناس الجزم الكبير والجزم الصغير وقد يسمونه الجمل عوضا من الجزم وله سر عجيب في أفلاك الدراري وفي أفلاك البروج وأسماؤها معلومة عند الناس فيجعلون الجزم الكبير لفلك البروج ويطرحون ما اجتمع من العدد ثمانية وعشرين ثمانية وعشرين والجزم الصغير لأفلاك الدراري وطرح عدده تسعة تسعة بطريقة ليس هذا الكتاب موضعها وعلم ليس هو مطلوبنا وفائدة الأعداد عندنا في طريقنا الذي تكمل به سعادتنا إن المحقق والمريد إذا أخذ حرفا من هذه أضاف الجزم الصغير إلى الجزم الكبير مثل أن يضيف إلى القاف الذي هو مائة بالكبير وواحد بالصغير فيجعل أبدا عدد الجزم الصغير وهو من واحد إلى تسعة فيرده إلى ذاته فإن كان واحدا الذي هو حرف الألف بالجزمين والقاف والشين والياء عندنا وعند غيرنا بدل الشين الغين المعجمة بالجزم الصغير فيجعل ذلك الواحد لطيفته المطلوبة منه بأي جزم كان فإن كان الألف حتى إلى الطاء التي هي بسائط الأعداد فهي مشتركة بين الكبير والصغير في الجزمين فمن حيث كونها للجزم الصغير ردها إليك ومن حيث كونها للجزم الكبير ردها إلى الواردات المطلوبة لك فتطلب في الألف التي هي الواحد ياء العشرة وقاف المائة وشين الألف أو غينه على الخلاف وتمت مراتب العدد وانتهى المحيط ورجع الدور على بدئه فليس إلا أربع نقط شرق وغرب واستواء وحضيض أربعة أرباع والأربعة عدد محيط لأنها مجموع البسائط كما إن هذه العقد مجموع المركبات العددية وإن كان اثنان الذي هو الباء بالجزمين والكاف والراء بالجزم الصغير جعلت الباء منك حالك وقابلت بها عالم الغيب والشهادة فوقفت على أسرارها من كونها غيبا وشهادة لا غير وهي الذات والصفات في الإلهيات والعلة والمعلول في الطبيعيات لا في العقليات والشرط والمشروط في العقليات والشرعيات لا في الطبيعيات لكن في الإلهيات وإن كان ثلاثة الذي هو الجيم بالجزمين واللام والسين المهملة عند قوم والشين المعجمة عند قوم بالجزم الصغير جعلت الجيم منك عالمك وقابلت به عالم الملك من كونه ملكا وعالم الجبروت من كونه جبروتا وعالم الملكوت من كونه ملكوتا وبما في الجيم من العدد الصغير يبرز منك وبما فيه وفي اللام والسين أو الشين من العدد الكبير تبرز وجوه من المطلوب من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء على حسب الاستعداد وأقل درجاته
(٨٠)