هذا الثناء نواب عن الحق يثنون عليه بكلامه الذي أنزله عليهم وهم أهل الله بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم أهل القرآن وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته فهم نائبون عنه في الثناء عليه فلم يشب ثناءهم استنباط نفسي ولا اختيار كوني ولا أحدثوا ثناء من عندهم فما سمع من ثنائهم إلا كلامه الذي أثنى به على نفسه فهو ثناء إلهي قدوس طاهر نزيه عن الشوب الكوني قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فأجره حتى يسمع كلام الله فأضاف الكلام إليه لا إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ولما جعل الله تعالى قلب عبده بيتا كريما وحرما عظيما وذكر أنه وسعه حين لم يسعه سماء ولا أرض علمنا قطعا إن قلب المؤمن أشرف من هذا البيت وجعل الخواطر التي تمر عليه كالطائفين ولما كان في الطائفين من يعرف حرمة البيت فيعامله في الطواف به بما يستحقه من التعظيم والإجلال ومن الطائفين من لا يعرف ذلك فيطوفون به بقلوب غافلة لاهية وألسنة بغير ذكر الله ناطقة بل ربما يطوفون بفضول من القول وزور وكذلك الخواطر التي تمر على قلب المؤمن منها مذموم ومنها محمود وكما كتب الله طواف كل طائف للطائف به على أي حالة كان وعفا عنه فيما كان منه كذلك الخواطر المذمومة عفا الله عنها ما لم يظهر حكمها على ظاهر الجوارح إلى الحس وكما إن في البيت يمين الله للمبايعة الإلهية ففي قلب العبد الحق سبحانه من غير تشبيه ولا تكييف كما يليق بجلاله سبحانه حيث وسعه وأين مرتبة اليمين منه على الانفراد منه سبحانه ففيه اليمين المسمى كلتا يديه فهو أعظم علما وأكثر إحاطة فإنه محل لجميع الصفات وارتفاعه بالمكانة عند الله لما أودع الله فيه من المعرفة به ثم إن الله تعالى جعل لبيته أربعة أركان لسر إلهي وهي في الحقيقة ثلاثة أركان لأنه شكل مكعب الركن الواحد الذي يلي الحجر كالحجر في الصورة مكعب الشكل ولا جل ذلك سمي كعبة تشبيها بالكعب فإذا اعتبرت الثلاثة الأركان جعلتها في القلب محل الخاطر الإلهي والركن الآخر ركن الخاطر الملكي والركن الثالث ركن الخاطر النفسي فالإلهي ركن الحجر والملكي الركن اليمني والنفسي المكعب الذي في الحجر لا غير وليس للخاطر الشيطاني فيه محل وعلى هذا الشكل قلوب الأنبياء مثلثة الشكل على شكل الكعبة ولما أراد الله ما أراد من إظهار الركن الرابع جعله للخاطر الشيطاني وهو الركن العراقي فيبقى الركن الشامي للخاطر النفسي وإنما جعلنا الخاطر الشيطاني للركن العراقي لأن الشارع شرع أن يقال عنده أعوذ بالله من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وبالذكر المشروع في كل ركن تعرف مراتب الأركان وعلى هذا الشكل المربع قلوب المؤمنين وما عدا الرسل والأنبياء المعصومين ليميز الله رسله وأنبياءه من سائر المؤمنين بالعصمة التي أعطاهم وألبسهم إياها فليس لنبي إلا ثلاثة خواطر إلهي وملكي ونفسي وقد يكون ذلك لبعض الأولياء الذين لهم جزء وافر من النبوة كسليمان الدنبلي لقيته وهو ممن له هذا الحال فأخبرني عن نفسه أن له بضعا وخمسين سنة ما خطر له خاطر قبيح ولأكثر الأولياء هذه الخواطر وزادوا بالخاطر الشيطاني العراقي فمنهم من ظهر عليه حكمه في الظاهر وهم عامة الخلق ومنهم من يخطر له ولا يؤثر في ظاهره وهم المحفوظون من أوليائه ولما اعتبر الله الشكل الأول الذي للبيت جعل له الحجر على صورته وسماه حجرا لما حجر عليه أن ينال تلك المرتبة أحد من غير الأنبياء والمرسلين حكمة منه سبحانه فللأولياء الحفظ الإلهي ولهم العصمة أخبرني بعض الأولياء من أهل الله وهو عبد الله بن الأستاذ الموروري أن الشيخ عبد الرزاق أو غيره الشك مني بل غيره بلا شك فإني تذكرته رأى إبليس فقال له كيف حالك مع الشيخ أبي مدين عبد صالح إمام في التوحيد والتوكل كان ببجاية فقال إبليس ما شبهت نفسي فيما نلقي إليه في قلبه إلا كشخص بال في البحر المحيط فقيل له لم تبول فيه قال حتى أنجسه فلا تقع به الطهارة فهل رأيتم أجهل من هذا الشخص كذلك أنا وقلب أبي مدين كلما ألقيت فيه أمرا قلب عينه فأخبر أنه يلقي في قلوب الأولياء وهو الذي ذكرناه وليس له على الأنبياء سبيل وارتفاع البيت سبعة وعشرون ذراعا وذراع التحجير الأعلى فهو ثمانية وعشرون ذراعا كل ذراع مقدار لأمر ما إلهي يعرفه أهل الكشف فهي هذه المقادير نظير منازل القلب التي تقطعها كواكب الايمان السيارة لإظهار حوادث تجري في النفس المضاهي لمنازل القمر والكواكب السيارة لإظهار الحوادث في العالم العنصري سواء حرفا حرفا ومعنى معنى واعلم أن الله تعالى قد أودع في الكعبة كنزا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجه فينفقه ثم بدا له في ذلك
(٦٦٦)