يعني المكر المضاف إلى عباده والمكر المضاف إليه سبحانه والله سبحانه قد أمرني على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بالنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم خطابا عاما ثم خاطبني على الخصوص من غير واسطة غير مرة بمكة وبدمشق فقال لي أنصح عبادي في مبشرة أريتها فتعين على الأمر أكثر مما تعين على غيري فالله يجعل ذلك لي من الله عناية وتشريفا لا ابتلاء وتمحيصا فمن قام بين يدي الله تعالى بهذه المعرفة فهو القائم وإن كان نائما فإنه ما نام إلا به ومن لم يقم بين يديه بهذه المعرفة فهو نائم وإن كان قائما فكن رقيبا عليه في قلبك فإنه الذي وسعه كما هو رقيب عليك فإنك لا تعلم مواقع آثاره فيك وفي غيرك إلا بالمراقبة واعلم أن القائمين في شهر رمضان في قيامهم على خاطرين منهم القائم لرمضان ومنهم القائم لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر والناس فيها على خلاف والقائم فيه لرمضان لا يتغير عليه الحال بزيادة ولا نقصان والقائم لليلة القدر يتغير عليه الحال بحسب مذهبه فيها واختلف الناس في ليلة القدر أعني في زمانها فمنهم من قال هي في السنة كلها تدور وبه أقول فإني رأيتها في شعبان وفي شهر ربيع وفي شهر رمضان وأكثر ما رأيتها في شهر رمضان وفي العشر الآخر منه ورأيتها مرة في العشر الوسط من رمضان في غير ليلة وتر وفي الوتر منها فإنا على يقين من أنها تدور في السنة في وتر وشفع من الشهر الذي ترى فيه فمن قام من أجل ليلة القدر فقد قام لنفسه وإن كان قيامه لترغيب الحق في التماسها ومن قام لأجل الاسم الذي أقامه رمضان أو غيره فقيامه لله لا لنفسه وهو أتم والكل شرع فمن الناس عبيد ومنهم أجراء ولأجل الإجارة نزلت الكتب الإلهية بها بين الأجير والمستأجر فلو كانوا عبيدا ما كتب الحق كتابا لهم على نفسه فإن العبد لا يوقت على سيده إنما هو عامل في ملكه ومتناول ما يحتاج إليه فأولئك لهم أجرهم والعبيد لهم نورهم وهو سيدهم فإنه نور السماوات والأرض قال تعالى أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم يعني الأجزاء وهم الذين اشترى الحق منهم أنفسهم ونورهم وهم العبيد والإماء جعلنا الله وإياكم من أعلاهم مقاما وأحبهم إليه أنه الولي المحسان واعلم أن ليلة القدر إذا صادفها الإنسان هي خير له فيما ينعم الله به عليه من ألف شهر إن لو لم تكن إلا واحدة في ألف شهر فكيف وهي في كل اثني عشر شهرا في كل سنة هذا معنى غريب لم يطرق أسماعكم إلا في هذا النص ثم يتضمن معنى آخر وهو أنها خير من ألف شهر من غير تحديد وإن كان الزائد على ألف شهر غير محدود فلا يدري حيث ينتهي فما جعلها الله أنها تقاوم ألف شهر بل جعلها خيرا من ذلك أي أفضل من ذلك من غير توقيت فإذا نالها العبد كان كمن عاش في عبادة ربه مخلصا أكثر من ألف شهر من غير توقيت كمن يتعدى العمر الطبيعي يقع في العمر المجهول وإن كان لا بد له من الموت ولكن لا يدري هل بعد تعدية العمر الطبيعي بنفس واحد وبآلاف من السنين فهكذا ليلة القدر إذا لم تكن محصورة كما قدمنا واعلم أن الشهر هنا بالاعتبار الحقيقي هو العبد الكامل إذا مشى القمر الذي جعله الله نورا فأعطاه اسما من أسمائه ليكون هو تعالى المراد لا جرم القمر فالقمر من حيث جرمه مظهر من مظاهر الحق في اسمه النور فيمشي في منازل عبده المحصورة في ثمانية وعشرين فإذا انتهى سمي شهرا على الحقيقة لأنه قد استوفى السير واستأنف سيرا آخر هكذا من طريق المعنى دائما أبدا فإن فعل الحق في الكائنات لا يتناهى فله الدوام بإبقاء الله تعالى كما إن العبد يمشي في منازل الأسماء الإلهية وهي تسعة وتسعون التاسع والتسعون منها الوسيلة وليست إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم والثمانية والتسعون لنا كالثمانية والعشرين من المنازل للقمر ويسميه بعض الناس الإنسان المفرد والعشرين خمس المائة لأنها في الأصل مائة اسم لكن الواحد أخفاه للوترية فإن الله وتر يحب الوتر فالذي أخفاه وتر والذي أظهره وتر أيضا وإنما قلنا منبهين على منازل القمر ثمانيا وعشرين منزلة لأنها قامت من ضرب أربعة في سبعة ونشأة الإنسان قامت من أربعة أخلاط مضروبة في سبع صفات من حياة وعلم وإرادة وقدرة وكلام وسمع وبصر فكان من ضرب المجموع بعضه في بعضه الإنسان ولم يكن له ظهور إلا بالله من اسمه النور لأن النور له إظهار الأشياء وهو الظاهر بنفسه فحكمه في الأشياء حكم ذاتي كذلك الشهر ما ظهر إلا بسير القمر من حيث كونه نورا في المنازل قال تعالى والقمر قدرناه منازل فإذا انتهى فيها سيره فهو الشهر المحقق وما عداه مما سمي شهرا فهو بحسب ما يصطلح عليه فلا منافرة ولله تعالى في كل منزلة من العبد ينزلها اسم النور حكم خاص قد ذكرناه في هذا
(٦٥٨)