الكتاب في نعت السالك الداخل والسالك الخارج أيضا والفاصل بين السلوكين ليلة الإبدار وهي ليلة النصف من ثمانية وعشرين ليلة الرابع عشر من الشهر المحقق وليلة السرار منه والنور فيه كامل أبدا فإن له وجهين والتجلي له لازم لا ينفك عنه فأما في الوجه الواحد وإما في الوجهين بزيادة ونقص في كل وجه فله الكمال من ذاته لا بد منه وله الزيادة والنقص من كونه له وجهان فكلما زاد من وجه نقص من وجه آخر وهو هو لحكمة قدرها العزيز العليم وفي كفتي ميزاننا لك عبرة * وأنت لسان فيه إن كنت تعقل إذا رجحت إحداهما طاش أختها * وأنت لما فيها تميل وتسفل وجعل سبحانه إضافة الليل إلى القدر دون النهار لأن الليل شبيه بالغيب والتقدير لا يكون إلا غيبا لأنه في نفس الإنسان والنهار يعطي الظهور فلو كان بالنهار لظهر الحكم في غير محله ومناسبه فإن الفعل في الظاهر لا يظهر إلا على صورة ما هو في النفس فخرج من غيب إلى شهادة بالنسبة إلى الله ومن عدم إلى وجود بالنسبة إلى الخلق فهي ليلة يفرق فيها كل أمر حكيم فينزل الأمر إليها عينا واحدة ثم يفرق فيها بحسب ما يعطيه من التفاصيل كما تقول في الكلام إنه واحد من كونه كلاما ثم يفرق في المتكلم به بحسب أحوال الذي يتكلم به إلى خبر واستخبار وتقرير وتهديد وأمر ونهي وغير ذلك من أقسام الكلام مع وحدانيته فهي ليلة مقادير الأشياء والمقادير ما تطلب سوانا فلهذا أمرنا بطلب ليلة القدر وهو قوله صلى الله عليه وسلم التمسوها لنستقبلها كما يستقبل القادم إذا جاء من سفره والمسافر إذا جاء من سفره فلا بد له إذا كان له موجود من هدية لأهله الذين يستقبلونه فإذا استقبلوه واجتمعوا به دفع إليهم ما كان قد استعده به لهم فتلك المقادير فيهم وبذلك فليفرحوا فمنهم من تكون هديته لقاء ربه ومنهم من تكون هديته التوفيق الإلهي والاعتصام وكل على حسب ما أراد المقدر أن يهبه ويعطيه لا تحجير عليه في ذلك وعلامتها محو الأنوار بنورها وجعلها دائرة منتقلة في الشهور وفي أيام الأسبوع حتى يأخذ كل شهر من الشهور قسطه منها وكذلك كل يوم من أيام الأسبوع كما جعل رمضان يدور في الشهور الشمسية حتى يأخذ كل شهر من الشهور الشمسية فضيلة رمضان فيعم فضل رمضان فصول السنة كلها فلو كان صومنا المفروض بالشهور الشمسية لما عم هذا التعميم وكذلك الحج سواء وكذلك الزكاة فإن حولها ليس بمعين إنما ابتداؤه من وقت حصول المال عند المكلف فما من يوم في السنة إلا وهو رأس حول لصاحب مال فلا تنفك السنة إلا وأيامها كلها محل للزكاة وهي الطهارة والبركة فالناس كلهم في بركة زكاة كل يوم يعم كل من زكى فيه ومن لم يزك وإنما محى نور الشمس من جرم الشمس في صبيحة ليلتها أعلاما بأن الليل زمان إتيانها والنهار زمان ظهور أحكامها فلهذا تستقبل ليلا تعظيما لها فمن فاته إدراكها ليلا فليرقب الشمس فإذا رأى العلامة دعا بما كان يدعو به في الليلة لو عرفها فإن محو نور الشمس لنورها كنور الكواكب مع ظهور الشمس لا يبقى لها نور في العين وبهذا يتقوى مذهب من يجعل الفجر حمرة الشفق لقوله تعالى هي حتى مطلع الفجر أي إلى مطلع الفجر فذلك القدر هو الذي يتميز به حد الليل من النهار الفجر الطالع ما هو ذلك الفجر في ليلة القدر من نور الشمس وإنما هو نور ليلة القدر ظهر في حجم الشمس كما إن نور القمر إنما هو نور الشمس ظهر في جرم القمر فلو كان نور القمر من ذاته لكان له شعاع كما هو للشمس ولما كان مستعارا من الشمس لم يكن له شعاع كذلك الشمس لها من نور ذاتها شعاع فإذا محت ليلة القدر شعاع الشمس بقيت الشمس كالقمر لها ضوء في الموجودات بغير شعاع مع وجود الضوء فذلك الضوء نور ليلة القدر حتى تعلو قيد رمح أو أقل من ذلك فحينئذ يرجع إليها نورها فترى الشمس تطلع في صبيحتها صبيحة ليلة القدر كأنها طاس ليس لها شعاع من وجود الضوء مثل طلوع القمر لا شعاع له وإنما ذكرت لك ذلك لتعلم بأي نور تستنير في صبيحة ليلة القدر فتعلم إن الحكم في الأنوار كلها لمن نور السماوات والأرض وأنزل الأنوار ما يفتقر إلى مادة وهو المصباح فإذا أنزل الحق نوره في التشبيه إلى مصباح وهو نور مفتقر إلى مادة تمده وهي الدهن فما هو أعلى منه من الأنوار أقرب إلى التشبيه وأعلى في التنزيه وإنما أعلمنا الحق بذلك وجاء بكاف الصفة في
(٦٥٩)