موسى في ليلة الإسراء لما اجتمع به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن اجتمع من الأنبياء عليهم السلام لم يأمره أحد من الأنبياء ولا نبه على الرفق بأمته إلا موسى صلى الله عليه وسلم لما فرض الله علينا في تلك الليلة خمسين صلاة فما سأله أحد من الأنبياء لما رجع عليهم ما فرض الله على أمتك إلا موسى عليه السلام فتهمم بنا دون سائر الأنبياء عليهم السلام فلما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين صلاة قال له موسى عليه السلام راجع ربك في ذلك الحديث وفيه فما زلت أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى فرضها خمسة في العمل وجعل أجرها أجر خمسين فنقص من التكليف وأبقى الأجر على ما كان عليه في الأصل فلما جمع بينه وبين موسى في صفة الرفق بنا تلبس معه بيوم الخميس الذي هو لموسى عليه السلام وكان يتذكر بآدم في صوم الاثنين ما هو عليه من العلم ويتذكر بموسى في صوم الخميس الرحمة التي أرسل بها للعالمين وهما في حال لا يأكلان ولا يشربان فيه لأنهما قد فارقا الحياة الدنيا وما هما في عالم النش ء الجسمي الذي يطلب الغذاء بل هما في برزخ لا غذاء فيه بين النشأتين فأراد صلى الله عليه وسلم لما وقعت بينه وبينهما المشاركة فيما ذكرناه أن يتلبس في هذين اليومين اللذين يجتمع معهما فيهما بترك الطعام والشراب موافقة لهما ليتفرع صلى الله عليه وسلم لتحصيل ما أداه إلى الاجتماع بهما في هذين اليومين وجعله صوما دون أن يعتبره اتساعا من الغذاء فحسب حتى يكون تركه ذلك عملا مشروعا فتلبس بصفة هي للحق وهو الصوم فصامهما ليعرض عمله على رب العالمين في ذينك اليومين وهو متلبس بصفة الحق إذ كان الصوم له ولما كان الصوم بالنسبة إلى العباد يدخله الفساد لما كان قابلا لذلك ويقبل الصلاح أيضا كان العرض على رب العالمين لا على اسم غيره والرب هو المصلح فيصلح ما دخل في هذا الصوم من الفساد إن كان دخله فساد من حيث لا يشعر ويتعلق هذا الحكم بالعلامة خاصة وهي الدلالة على الله تعالى ولذلك قال على رب العالمين من العلامة وفساد العلامة إنما هو من طرو الشبهة عليها في النظر العقلي وما ثم شبهة أعظم من نسبة الصوم لله دون سائر الأعمال ووصف العبد به فإذا حصل العرض الذي هو التجلي والكشف بأن للصائم ما لله من الصوم وما للعبد منه فزالت الشبهة التي يقبلها العقل بالكشف الإلهي فهذا معنى مصلح العلامة وأما إذا اعتبرته بمربى العالمين أي مغذيهم فغذاء الصائم في هذا العرض هو ما يفيده الحق في هذا الصوم من العلوم المختصة بهذين اليومين من علم الأسماء وعلم الاثنتي عشرة عينا التي في العلم بها العلم بكل ما سوى الله وهو علم الحياة التي يحيا بها كل شئ وهو العلم المتولد بين النبات والجماد من المولدات بصفة القهر فإن العيون الاثنتي عشرة إنما ظهرت بضرب العصا الحجر فانفجرت منه بذلك الضرب اثنتا عشرة عينا يريد علوم المشاهدة عن مجاهدة بسبب الضرب وعلوم ذوق لأن الماء من الأشياء التي تذاق ويختلف طعمها في الذوق فيعلم بذلك نسبة الحياة كيف اتصف بها المسمى جمادا حتى أخبر عنه الصادق أنه يسبح بحمد الله لأن الحق أضاف ذلك إلى الحجر بقوله منه ومن لا كشف له ولا إيمان لا يثبت للجماد حياة فكيف تسبيحا نعوذ بالله من الخذلان فيعلم بهذا الكشف نسبة الحياة أيضا إلى النبات لأن الضرب كان بالعصا وهي من عالم النبات وبضربه بها ظهر ما ظهر ومن لا كشف له لا يعلم أن النبات حي إلا من يصرف الحياة إلى النمو فيعلم في يوم الخميس إذا صام من أجل الإمداد روحانية موسى عليه السلام فيه علم الاثنتي عشرة عينا على الكشف والمشاهدة وهو علم ما يتعلق بمصالح العالم قد علم كل أناس مشربهم من تلك العيون فمن علمها علم حكم الاثنتي عشر برجا وعلم منتهى أسماء الأعداد وهي اثنا عشر وعلم الإنسان بما هو ولي لله تعالى فانظر إلى شجر يقضي على حجر * وانظر إلى ضارب من خلف أستار وكان الحجاب عليه والستر موسى عليه السلام كما كان الحجاب للأعرابي على كلام الله محمدا صلى الله عليه وسلم فبصوم يوم الاثنين يجمع بين خلق وحق في بساط مشاهدة وحضور لتحصيل علم الأسماء الإلهية وبصوم يوم الخميس يجمع حفظ نفسه وحفظ الأربع من جهاته التي يدخل عليه منها الشبه المضلة فإنها طرق الشيطان من قوله ثم لآتينهم من بين أيديهم عن أمر واستفزز ومن خلفهم عن أمر وأجلب عليهم وعن أيمانهم عن أمر وشاركهم وعن شمائلهم عن أمر وعدهم وهو بعينه في الوسط فإن به تميزت هذه الجهات الأربع وكان المجموع في هذه الحضرة خمسة فاعتصم
(٦٤٤)