ولا آخرة والصوم ترك وعبادة فمن اعتبر العبادة فيه أجاز الصوم فيه ومن اعتبر ما رجح الشرع من أنها أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى ولم يقل ليالي أكل وشرب فهو خبر إلهي لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فهو إعلام إلهي على جهة الخبر والخبر لا يدخله النسخ فأوجب الفطر فيها عبادة واجبة العمل فمن صام فيها فقد رجح نظره على خبر الله تعالى بما ينبغي أن يعمل فيها ومن نازع الله في شئ قال إنه له فقد عرض بنفسه للهلاك فإن الصوم له والفطر لك وما رخص في صومها المجتهد إلا لمن لم يجد الهدى كذا قال البخاري عن عائشة وابن عمر ثم جعل لك فيها ذكر لله وهو قوله تعالى فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا لله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فأمركم فيها بذكر الله فإن العرب كانت في هذه الأيام في الموسم تذكر أنسابها وأحسابها لاجتماع قبائل العرب في هذه الأيام تريد بذلك الفخر والسمعة فهذا معنى قوله كذكركم آباءكم أي اشتغلوا بالثناء على الله بما هو عليه على طريق الفخر إذ كنتم عبيده وفخر العبد بسيده فإنه مضاف إليه وأكبر من ذلك من كونه منه كما قال صلى الله عليه وسلم مولى القوم منهم وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته والعبد لا فخر له بأبيه بل فخره بسيده وإن افتخر العبد بأبيه فإنما يفتخر به من حيث إن أباه كان مقربا عند سيده لأنه عبد مثله ممتثلا لأمره واقفا عند حدوده ورسومه فإنه أيضا عبد الله فلهذا قال كذكركم آباءكم فما نهاهم عن ذكر آبائهم ولكن رجح ذكرهم الله على ذكرهم آباءهم بقوله أو أشد ذكرا وهو الموصي عباده بقوله أن اشكر لي ولوالديك أي كونوا أنتم من إيثار ذكر الله والفخر به من كونه سيدكم وأنتم عبيد له على ما كان عليه آباؤكم وذكر الله أكبر وأي عبادة كان فيها العبد وفيها ذكر الله فإن ذكر الله أكبر ما فيها من أفعال تلك العبادة وأقوالها قال تعالى إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر يعني الذي فيها أكبر من جميع أفعالها فإنك إذا ذكرت الله فيها كان جليسك في تلك العبادات فإنه أخبر أنه جليس من ذكره وإذا كان جليسك فلا يخلو إما أن تكون ذا بصر إلهي فتشهده أو تكون غير ذي بصر إلهي فتشهده من طريق الايمان أنه يراك فتكون في هذه الحال مثل الأعمى يعلم أنه جليس زيد وإن كان لا يراه فهو كأنه يراه فالرائي له يشهده محركا له في جميع أفعاله والذي لا يراه يحس بأن ثم محركا له في أفعاله بحس الايمان لا بحس الشهود البصري وهو قوله كأنك تراه فإنه بالذكر يعلم أنه جليسه ألم يعلم بأن الله يرى وجليس الحق لا يمكن أن يكون إلا في خلوة معه ضرورة لا يتمكن أن يثبت مع هذا العبد إذا جالسه الحق جليس آخر جملة واحدة في خاطره لأنها مجالسة غيب قيل لبعضهم اذكرني في خلوتك بالله قال له إذا ذكرتك فلست في خلوة مع الله فكما أنه لا يكلم الله خلقه إلا من وراء حجاب والحجاب عين الكلام كذلك لا تكلمه أنت ولا تذكر عنده نفسك ولا غيرك إلا من وراء حجاب لا بد من ذلك فإن المشاهدة للبهت والخرس فلا بد للذاكر وإن كان الحق جليسه أن يكون أعمى ولا بد وعماه ذكره فالحق جليس غيب عند كل ذاكر فمن غلب عليه مشاهدة الخيال في حق ربه من قوله كأنك تراه وهو استحضار في خيال فمثل ذلك بجمع بين المشاهدة والكلام فإن الجليس في تلك الحال مثلك لا من ليس كمثله شئ وهذا كان حال الشهاب ابن أخي النجيب رحمه الله على ما نقل إلى الثقة عندي من قوله إن الإنسان يجمع بين المشاهدة والكلام أين هذا الذوق من ذوق المحقق أبي العباس السياري من الرجال المذكورين في رسالة القشيري حين قال ما التذ عاقل بمشاهدة قط لأن مشاهدة الحق فناء وليس فيها لذة أين هذا الذوق من ذوق الشهاب فافهم فإنه موضع غلط لأكابر المحققين من أهل الله فكيف بمن هو دونهم وقد أخبرنا عمن رأيناه من أهل الله المنتمين إلى الله أنه يقول بذلك أعني مثل قول الشهاب فإن كان صاحب علم تام فيقوله على حد ما رسمناه وإن كان دون ذلك فإنما يقوله كما يقوله من لا علم له بالحقائق ولو قالها بحضوري كنت أفاوضه فيها حتى أعرف بأي لسان يقول ذلك فكنت أنسبه إلى ما قال على التعيين فاعلم أنه إن كان قال ذلك على مجرى التحقيق علمنا أنه فوق ما يقول ومنهم من هو تحت ما يقول والذين هم تحت ما يقولون طائفتان طائفة في غاية العلم بالله مما في وسع البشر أن يعلموه من الله والطائفة الأخرى في غاية البعد والحجاب عن الله وهم الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم الذين لا يرون شيئا فوق علم الرسوم فهم يشبهون الطبقة العالية في كونهم تحت ما يقولون
(٦٥٠)