الشمس قال يا فلان أنزل فاجدح لنا قال يا رسول الله إن عليك نهارا قال أنزل فاجدح لنا قال فنزل فجدح فأتاه به فشرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال إذا غابت الشمس من ههنا وجاء الليل من ههنا فقد أفطر الصائم فسواء أكل أو لم يأكل فإن الشرع أخبر أنه قد أفطر أي أن ذلك ليس بوقت للصوم وأنه بالغروب تولاه الاسم الفاطر وإتيان الليل ظهور سلطان الغيب لا ظهور ما في الغيب فجاء ليستر ما كانت شمس الحقيقة كشفته غيرة لعدم احترام المكاشفين لما عاينوه من شعائر الله وحرماته فإن البصر قد أدرك ما لو اعتبر في شئ منه ما وفي بما يجب عليه من التعظيم الإلهي له فلما قلت الحرمة منهم ستره الليل غيرة فدخل في غيب الليل غير أن الإنسان إذا دخل في الغيب واتصف به أدرك ما فيه من علوم الأنوار لا من علوم الأسرار وعلوم الأنوار هو كل علم يتعلق به منافع الأكوان كلها كما إن الليل إذا جاء ظهرت بمجيئه أنوار الكواكب والله جعلها لنهتدي بها في ظلمات البر والبحر وهما علم الإحسان وعلم الحياة وعلوم الأسرار خفيت عن أبصار الناظرين وهي غيب الغيب فصار الغيب على هذا فيه ما يدرك به وفيه ما لا يدرك ولما قال صلى الله عليه وسلم فقد أفطر الصائم فالأولى بالصائم أن يعجل الفطر عند الغروب بعد صلاة المغرب فإنه أولى لأن الله جعل المغرب وتر صلاة النهار فينبغي إن يؤديها بالصفة التي كان عليها بالنهار وهو الإمساك عن الطعام والشراب واستحب له إذا فرع من الفريضة أن يشرع في الإفطار ولو على شربة ماء أو تمر قبل النافلة فإن فاعل ذلك لا يزال بخير خرج مسلم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر فسمى الأكل أو الشرب فطرا مع أنه قال عنه إنه أفطر بمجيئ الليل وغروب الشمس فجمع بالأكل بين فطرين فطر بالفعل وفطر بالحكم فمن قال بالمفهوم يرى أنه إذا لم يفطر بالأكل زال عنه الخير الذي كان يأتيه بالأكل لو أكل معجلا فإنه إذا أخر لم يحصل على ذلك الخير الذي أعطاه التعجيل وكان محروما خاسرا في صفقته ثم إنه تفوته الفرحة التي للصائم عند فطره أي يفوته ذوقها وحلاوتها وهي لذة الخروج من الجبر إلى الاختيار ومن الحجر إلى السراج ومن الضيق إلى السعة وهو المقام المحمدي والبقاء في الحجر مقام يوسفي جاء الرسول ليوسف من العزيز بالخروج من السجن فقال يوسف ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة فلم يخرج واختار الإقامة في السجن حتى يرجع إليه الرسول بالجواب وإن كان مطابقا لدخوله في السجن فإنه دخله عن محبة واستصحبته تلك الحالة وهو قوله رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه فكانت محبة إضافة لم تكن محبة حقيقة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله أخي يوسف لو كنت أنا لأجبت الداعي يقول سارعت إلى الخروج من السجن لأن مقامه صلى الله عليه وسلم يعطي السعة فإنه أرسله الله رحمة ومن كان رحمة لا يحتمل الضيق فلهذا قلنا بلذة فرحة فطر الصائم إنه مقام محمدي لا يوسفي وإنما قلنا بتعجيل الصلاة فيفطر بعد المغرب وقبل التنفل فإنه من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما قدمناه على الفطر لأن الصلاة وإن كانت للعبد فإنها حق الله والفطر حق نفسك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للشخص الذي ماتت أمه وعليها صوم وأراد أن يقضيه عنها فقال له عليه السلام أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضيه قال نعم قال فحق الله أحق أن يقضى فقدم حق الله وجعله أحق بالقضاء من حق المخلوق وذكر مسلم عن أبي عطية قال دخلت أنا ومسروق على عائشة فقلنا يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة قالت أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة قال قلنا عبد الله بن مسعود قالت كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما كان صلى الله عليه وسلم قد جعله الله أسوة يتأسى به فقال تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة فكان يفطر بأن يشق أمعاءه بشئ من رطب أو تمر أو حسوات من ماء قبل إن يصلي المغرب وبعد الصلاة كان يأكل ما قدر له قال أبو داود في سننه عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات قبل إن يصلي فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء فقدم الرطب لأنه أحدث عهد بربه من التمر كما فعل صلى الله عليه وسلم في المطرحين نزل برز بنفسه صلى الله عليه وسلم إليه وحسر الثوب عنه حتى أصابه المطر فسئل عن فعله ذلك فقال صلى الله عليه وسلم إنه حديث عهد بربه
(٦٢٥)