الحرج والمشقة في ذلك ولو كان حراما وما واصل بهم صلى الله عليه وسلم وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق وقال من يشاد هذا الدين يغلبه وخرج مسلم عن أنس بن مالك واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر شهر رمضان فواصل ناس من المسلمين فبلغه ذلك فقال لو مد لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم فمن لم يقدر أن يواصلها كلها فليواصل حتى السحر في كل يوم فتدخل الليلة في الصوم كل ليلة ويكون حد السحر لفطرها فحد الغروب للنهار في حق من لا يواصل في الصحيح أنه عليه السلام قال أيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر خرجه البخاري عن أبي سعيد ومما يؤيد قولنا إنه أراد الرحمة بالناس في ذلك ما خرجه مسلم أيضا عن عائشة قالت نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم قالوا إنك تواصل قال إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فكوشف صلى الله عليه وسلم بحال تلك الجماعة التي خاطبهم أنهم ليست لهم هذه الحال وأنه ما أراد بذلك أنه مختص به دون أمته فإنا قد وجدناه ذوقا من نفوسنا في وصالنا فبتنا في حال الوصال فأطعمنا ربنا وسقانا في مبيتنا ليلة وصالنا فأصبحنا أقوياء لا تشتهي طعاما ورائحة الطعام الذي أكلناه الذي أطعمناه ربنا يشم منا ويتعجبون الناس من حسن رائحته فسألونا من أين لك هذه الرائحة في هذا الذي طعمت فما رأينا مثلها فمنهم من أخبرته بالحال ومنهم من سكت عنه فلو كان هذا خصوصا برسول الله صلى الله عليه وسلم ما نلناه فصح لنا الوصال والفطر فجمع لنا بين الاجرين والفرحتين وحكمة الوصال أن الحق قال الصوم له وأمرنا بما هو له وجعله عبادة لا مثل لها فإذا فرق بالفطر بين اليومين فما واصل فإذا لم يفطر تحقق الوصال فيشير بذلك إلى إيصال صوم العبد بالصوم المضاف إلى الحق ليبين له أن للعبد ضربا من التنزيه بالصوم كما إن للحق من الصوم التنزيه فهو إشعار حسن للعارفين وكذا هو في نفس الأمر فإن العبد له تنزيه يخصه ولا سيما إذا كان عمله تنزيه الحق فإن عمله يعود عليه وهو التنزيه فإن تنزيه الحق ما هو بتنزيه المنزه بل هو تعالى منزه الذات لنفسه ما نحن نزهناه فلذلك يعود تنزيهنا علينا حين حرمه غيرنا فمن قدر على الوصال في هذه الستة الأيام فهو أحق وأولى فإن وجد أحد نقلا عن العرب في اللسان حذف الهاء في عدد المذكر حمل الحديث على تلك اللغة ولقد روينا أن الله حين أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم ومكروا مكرا كبارا لم يعرف هذا اللحن الحاضرون ولا عرفوا معناه فبينما هم كذلك إذا أتى أعرابي قد أقبل غريبا فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه وقال يا محمد إني رجل من كبار قومي بضم الكاف وتشديد الباء فعلم الحاضرون أن هذه اللفظة نزلت يلحن ذلك العربي وأصحابه فعلموا معناها فما يبعد أن يكون حذف الهاء جائزا في عدد المذكر في لغة بعض الأعراب ولو كان ذلك لم يقدح فيما ذهبنا إليه من الحقائق المشهودة لنا فيكون الشارع العالم يقصد الأمرين معا في هذه اللفظة في حق من هي لغته وفي حق من ليست له بلغة وجعلها ستا ولم يجعلها أكثر ولا أقل وبين أن ذلك صوم الدهر لقول الله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها على هذا أكثر العلماء بالله وهذا فيه حد مخصوص وهو أن يكون عدد رمضان ثلاثين يوما فإن نقص نزل عن هذه الدرجة وعندنا إنه يجبر بهذه الستة من صيام الدهر ما نقصه بالفطر في الأيام المحرم صومها وهي ستة أيام يوم الفطر ويوم النحر وثلاثة أيام التشريق ويوم السادس عشر من شعبان يجبر بهذه الستة الأيام ما نقص بأيام تحريم الصوم فيها والاعتبار الآخر وهو المعتمد عليه في صوم هذه الأيام من كونها ستة لا غير إن الله تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وكنا نحن المقصود بذلك الخلق فأظهر في هذه الستة الأيام من أجلنا ما أظهر من المخلوقات كما ورد في الخبر فكان سبحانه لنا في تلك الأيام فجعل لنا صوم هذه الستة الأيام في مقابلة تلك لأن نكون فيها متصفين بما هو له وهو الصوم كما اتصف هو بما هو لنا وهو الخلق ولهذا كان أحمد السبتي ابن أمير المؤمنين هارون الرشيد يصوم ستة أيام من كل جمعة ويشتغل بالعبادة فيها فإذا كان يوم السبت احترف فيما يأكله بقية الأسبوع وبهذا سمي السبتي فلقيته بالطواف يوم جمعة بعد الصلاة وأنا أطوف فلم أعرفه غير أني أنكرته وأنكرت حالته في الطواف فإني ما رأيته يزاحم ولا يزاحم ويخترق الرجلين ولا يفصل بينهما فقلت هذا روح تجسد بلا شك فمسكته وسلمت عليه فرد علي السلام وماشيته ووقع بيني وبينه كلام ومفاوضة فكان منها إني قلت لم خصصت يوم السبت بعمل الحرفة فقال لأن الله سبحانه ابتدأ
(٦٣٨)