ولا ترى أن ثم غيري * فإنه غاية التنائي فلما علمت أنه لكل بلد رؤية وما وقف حكم بلد على بلد علمت إن الأمر شديد وإن كل نفس مطلوبة من الحق في نفسها لا تجزى نفس عن نفس شيئا وإن تقلب الإنسان في العبادة من وجه بذاته ومن وجه بربه ليس لغيره فيه مساع ولا دخول وأراني ذلك في واقعة فاستيقظت من منامي وأنا أحرك شفتي بهذه الأبيات التي ما سمعتها قبل هذا إلا مني ولا من غيري وهي هذه قال لي الحق في منامي * ولم يكن ذاك من كلامي وقتا أناديك في عبادي * وقتا أناجيك في مقامي وأنت في الحالتين عندي * في كنف الصون والذمام فمن صلاة إلى زكاة * ومن زكاة إلى صيام ومن حرام إلى حلال * ومن حلال إلى حرام وأنت في ذا وذاك مني * كمثل مقصورة الخيام فلو علم الإنسان من أي مقام ناداه الحق تعالى بالصيام في قوله يا أيها الذين آمنوا وأنه المخاطب في نفسه وحده بهذه الجمعية فإنه قال يصبح على كل سلامي منكم صدقة فجعل التكليف عاما في الإنسان الواحد وإذا كان هذا في عروقه فأين أنت من جوارحه من سمعه وبصره ولسانه ويده وبطنه ورجله وفرجه وقلبه الذين هم رؤساء ظاهره وإن كل جارحة مخاطبة بصوم يخصها من إمساكها فيما حجر عليها ومنعت من التصرف فيه بقوله كتب عليكم الصيام واعلم أن الله ناداك من كونك مؤمنا من مقام الحكمة الجامعة لتقف بتفصيل ما يخاطبك به على العلم بما أراده منك في هذه العبادة فقال كتب عليكم الصيام أي الإمساك عن كل ما حرم عليكم فعله أو تركه كما كتب على الذين من قبلكم يعني الصوم من حيث ما هو صوم فإن كان أيضا يعني به صوم رمضان بعينه كما ذهب إليه بعضهم غير أن الذين قبلنا من أهل الكتاب زادوا فيه إلى أن بلغوا به خمسين يوما وهو مما غيروه وقوله كما كتب أي فرض على الذين من قبلكم وهم الذين هم لكم سلف في هذا الحكم وأنتم لهم خلف لعلكم تتقون أي تتخذوا الصوم وقاية فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الصوم جنة والجنة الوقاية ولا يتخذوه وقاية إلا إذا جعلوه عبادة فيكون الصوم للحق من وجه ما فيه من التنزيه ويكون من وجه ما هو عبادة في حق العبد جنة ووقاية من دعوى فيما هو لله لا له فإن الصوم لا مثل له فهو لمن لا مثل له فالصوم لله ليس لك ثم قال أياما معدودات العامل في الأيام كتب الأول بلا شك فإنه ما عندنا بما كتب علي من قبلنا هل كتب عليهم يوم واحد وهو عاشوراء أو كتب عليهم أيام والذي كتب علينا إنما هو شهر والشهر إما تسعة وعشرون يوما وإما ثلاثون يوما بحسب ما نرى الهلال والأيام من ثلاثة إلى عشرة لا غير فطابق لفظ القرآن ما أعلمنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدد أيام الشهر فقال الشهر هكذا وأشار بيده يعني عشرة أيام ثم قال وهكذا يعني عشرة أيام وهكذا وعقد إبهامه في الثالثة يعني تسعة أيام وفي المرة الأخرى لم بعقد الإبهام فأراد أيضا عشرة أيام وذلك لما قال تعالى أياما معدودات عدد الشارع أيام الشهر بالعشرات حتى يصح ذكر الأيام موافقا لكلام الله فإنه لو قال ثلاثون يوما لكان كما قال في الإيلاء لعائشة قد يكون الشهر تسعة وعشرين يوما ولم يقل هكذا وهكذا كما قال في عدد شهر رمضان فعلمنا أنه أراد موافقة الحق تعالى فيما ذكر في كتابه ثم قال فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر فأتى بذكر الأيام أيضا وأشار إلى المخاطبين بقوله منكم وهم الذين آمنوا مريضا يعني في حبس الحق أو على سفر وهم أهل السلوك في الطريق إلى الله في المقامات والأحوال والسفر من الأسفار وهو الظهور لأنه إنما سمي السفر سفرا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال فيه فأسفر لهم المقام والحال في هذا السلوك إن العمل ليس لهم وإن كانوا فيه وإنما الله هو العامل بهم كما قال تعالى وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فعدة من أيام أخر يعني في وقت الحجاب فإنها أيام أخر حتى يجد التكليف محلا يقبله بالوجوب وقد تقدم الكلام في مثل هذا من هذا الباب فلينظر هناك ثم قال وعلى الذين
(٦٢٨)