كتبي المنزلة التي أرسلت رسلي بها إليهم وأكد ذلك بالسين أعني الاستجابة لما علم من إبايتنا وبعدنا عن إجابته لي أي من أجلي لا تعلمون ذلك رجاء تحصيل ما عندي فتكونون عبيد نعمة لا عبيدي وهم عبيدي طوعا وكرها لا انفكاك لهم من ذلك وليؤمنوا بي يصدقوا بإجابتي إياهم إذا دعوني وليكن إيمانهم بي لا بأنفسهم لأنه من آمن بنفسه لا بالله لم يستوعب إيمانه ما استحقه فإذا آمن بي وفي الأمر حقه فأعطى كل ذي حق حقه وهذا هو الذي يصدق بالأخبار كلها ومن آمن بنفسه فإنه مؤمن بما أعطاه دليله والذي أمرته بالإيمان به متناقض الدلالة متردد بين تشبيه وتنزيه فالذي يؤمن بنفسه يؤمن ببعض ويكفر ببعض تأويلا لا ردا فمن تأول فإيمانه بعقله لا بي ومن ادعى في نفسه أنه أعلم بي مني فما عرفني ولا آمن بي فهو عبد يكذبني فيما نسبته إلى نفسي بحسن عبارة فإذا سئل يقول أردت التنزيه وهذا من حيل النفوس بما فيها من العزة وطلب الاستقلال والخروج عن الاتباع لعلهم يرشدون أي يسلكون طريق الرشد كما يفعل الموفقون الذين إذا رأوا سبيل الرشد اتخذوه سبيلا فيمشي بهم إلى السعادة الأبدية فكانت إجابة الحق إياهم حين دعوه ونهاية طريقهم إلى ما فرحت به نفوسهم من تحليل ما كان حرم عليهم في حال صومهم من أول اليوم إلى آخره فقال أحل لكم ليلة الصيام أي الليلة التي انتهى صومكم إليها لا الليلة التي تصبحون فيها صائمين فهي صفة تصحبكم لي ليلة عيد الفطر ولو كانت إضافة ليلة الصيام إلى المستقبل لم تكن ليلة عيد الفطر فيها فإنك لا تصبح يوم العيد صائما ولو صمت فيه لكنت عاصيا ولا يلزم هذا في أول ليلة من رمضان فإن الأكل وأمثاله كان حلالا قبل ذلك فما زال مستصحب الحكم فلهذا جعلناه للصوم الماضي الرفث يعني الجماع إلى نسائكم فجاء بالنساء ولم يقل الأزواج ولا غير ذلك فإن في هذا الاسم معنى ما في النساء وهو التأخير فقد كن أخرن عن هذا الحكم الذي هو الجماع زمان الصوم إلى الليل فلما جاء الليل زال حكم التأخير بالإحلال فكأنه يقول إلى ما أخرتم عنه وأخرن عنه من أزواجكم وما ملكت أيمانكم ممن هو محل الوطء هن لباس لكم وأنتم لباس لهن أي المناسبة بينكم صحيحة ما هي مثل ما تلبستم بنا في صومكم حيث اتصفتم بصفة هي لي وهو الصوم فلستم لباسا لي في قولي وسعني قلب عبدي ولست لباسا لكم في قولي بكل شئ محيط فإن اللباس يحيط بالملبوس به ويستره علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم من الخيانة لشهادتي عليكم حين قبلتم الأمانة لما عرضتها عليكم فقلت في حاملها إنه كان ظلوما جهولا ظلوما لنفسه بأن كلفها ما لا يدري علم الله فيه عند حمله إياها جهولا بقدرها وما يتعلق من الذم به إذ أمن خان فيها ولما كان الجهول أعمى وأضل سبيلا لا يدري كيف يضع رجله ولا يرى أين يضع رجله قال علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم لما حجر عليكم فيما حجره عليكم فتاب عليكم أي رجع عليكم وعفا عنكم أي بالقليل الذي أباحه لكم من زمان الإحلال الذي هو الليل وإنما جعله قليلا لبقاء التحجير فيه في المباشرة للمعتكف في المساجد بلا خلاف وفي غير المسجد بخلاف والمواصل فالآن باشروهن وهو زمان الفطر في رمضان وابتغوا ما كتب الله لكم واطلبوا ما فرض الله من أجلكم حتى تعلموه فتعملوا به من كل ما ذكره في هذه الآية وكلوا واشربوا أمر بإعطاء ما عليك لنفسك من حق الأكل والشرب حتى يتبين لكم الخيط الأبيض إقبال النهار من الخيط الأسود إدبار الليل من الفجر الانفجار الضوء في الأفق ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد فأبقى تحجير الجماع على من هذه حالته وكذلك في الأكل والشرب للذي ينوي الوصال في صومه يقول صلى الله عليه وسلم من كان مواصلا فليواصل حتى السحر وهو اختلاط الضوء والظلمة يريد في وقت ظهور ذنب السرحان ما بين الفجرين المستطيل والمستطيل وواصل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه يومين ورأوا الهلال تلك حدود الله التي أمركم أن تقفوا عندها فلا تقربوها لئلا تشرفوا على ما وراءها وهنا علم غامض لا يعلمه إلا من أعطيه ذوقا عناية إلهية كالخضر وغيره فربما تزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء كذلك يبين الله آياته أي دلائله للناس إشارة فيتذكر بها لعلهم يتقون يتخذون تلك الدلائل وقاية من التقليد والجهل فإن المقلد ما هو على بينة من ربه وما هو صاحب دلالة وجعله بمعنى الترجي لأنه ما كل من رزق الدليل ووصل إلى المدلول وحصل له العلم وفق لاستعمال ما علمه إن كان من العلوم التي غايتها العمل
(٦٣٠)