وتطلب على معانيها فكذلك خذ ما أتاك به هذا الصوفي واهتد على نفسك قليلا وفرع لما أتاك به محلك حتى يبرز لك معناها أحسن من أن تقول يوم القيامة بل كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين فكل علم إذا بسطته العبارة حسن وفهم معناه أو قارب وعذب عند السامع الفهم فهو علم العقل النظري لأنه تحت إدراكه ومما يستقل به لو نظر إلا علم الأسرار فإنه إذا أخذته العبارة سمج واعتاص على الأفهام دركه وخشن وربما مجته العقول الضعيفة المتعصبة التي لم تتوفر لتصريف حقيقتها التي جعل الله فيها من النظر والبحث ولهذا صاحب العلم كثيرا ما يوصله إلى الأفهام بضرب الأمثلة والمخاطبات الشعرية. وأما علوم الأحوال فمتوسطة بين علم الأسرار وعلم العقول. وأكثر ما يؤمن بعلم الأحوال أهل التجارب وهو إلى علم الأسرار أقرب منه إلى العلم النظري العقلي لكن يقرب من صنف العلم العقلي الضروري بل هو هو لكن لما كانت العقول لا تتوصل إليه إلا بأخبار من علمه أو شاهده من نبي أو ولي لذلك تميز عن الضروري لكن هو ضروري عند من شاهده ثم لتعلم أنه إذا حسن عندك وقبلته وآمنت به فابشر إنك على كشف منه ضرورة وأنت لا تدري لا سبيل إلا هذا إذ لا يثلج الصدر إلا بما يقطع بصحته وليس للعقل هنا مدخل لأنه ليس من دركه إلا إن أتى بذلك معصوم حينئذ يثلج صدر العاقل وأما غير المعصوم فلا يلتذ بكلامه إلا صاحب ذوق (فإن قلت) فلخص لي هذه الطريقة التي تدعى أنها الطريقة الشريفة الموصلة السالك عليها إلى الله تعالى وما تنطوي عليه من الحقائق والمقامات بأقرب عبارة وأوجز لفظ وأبلغه حتى أعمل عليه ونصل إلى ما ادعيت أنك توصلت إليه وبالله أقسم إني لا آخذه منك على وجه التجربة والاختبار وإنما آخذه منك على الصدق فإني قد حسنت الظن بك إحسان قطع إذ قد نبهتني على حظ ما أتيت به من العقل وإن ذلك مما يقطع العقل بجوازه وإمكانه أو يقف عنده من غير حكم معين فشكر الله لك ذلك وبلغك آمالك ونفعك ونفع بك. فاعلم أن الطريق إلى الله تعالى الذي سلكت عليه الخاصة من المؤمنين الطالبين نجاتهم دون العامة الذين شغلوا أنفسهم بغير ما خلقت له إنه على أربع شعب بواعث ودواع وأخلاق وحقائق والذي دعاهم إلى هذه الدواعي والبواعث والأخلاق والحقائق ثلاثة حقوق تفرضت عليهم حق لله وحق لأنفسهم وحق للخلق فالحق الذي لله تعالى عليهم أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا والحق الذي للخلق عليهم كف الأذى كله عنهم ما لم يأمر به شرع من إقامة حد وصنائع المعروف معهم على الاستطاعة والإيثار ما لم ينه عنه شرع فإنه لا سبيل إلى موافقة الغرض إلا بلسان الشرع والحق الذي لأنفسهم عليهم أن لا يسلكوا بها من الطرق إلا الطريق التي فيها سعادتها ونجاتها وإن أبت فلجهل قام بها أو سوء طبع فإن النفس الآبية إنما يحملها على إتيان الأخلاق الفاضلة دين أو مروءة فالجهل يضاد الدين فإن الدين علم من العلوم وسوء الطبع يضاد المروءة ثم نرجع إلى الشعب الأربع فنقول الدواعي خمسة الهاجس السببي ويسمى نفر الخاطر ثم الإرادة ثم العزم ثم الهمة ثم النية والبواعث لهذه الدواعي ثلاثة أشياء رغبة أو رهبة أو تعظيم والرغبة رغبتان رغبة في المجاورة ورغبة في المعاينة وإن شئت قلت رغبة فيما عنده ورغبة فيه والرهبة ورهبتان رهبة من العذاب ورهبة من الحجاب والتعظيم إفراده عنك وجمعك به. والأخلاق على ثلاثة أنواع خلق متعد وخلق غير متعد وخلق مشترك. فالمتعدي على قسمين متعد بمنفعة كالجود والفتوة ومتعد بدفع مضرة كالعفو والصفح واحتمال الأذى مع القدرة على الجزاء والتمكن منه وغير المتعدي كالورع والزهد والتوكل. وأما المشترك فكالصبر على الذي من الخلق وبسط الوجه. وأما الحقائق فعلى أربعة حقائق ترجع إلى الذات المقدسة وحقائق ترجع إلى الصفات المنزهة وهي النسب وحقائق ترجع إلى الأفعال وهي كن وأخواتها وحقائق ترجع إلى المفعولات وهي الأكوان والمكونات وهذه الحقائق الكونية على ثلاث مراتب علوية وهي المعقولات وسفلية وهي المحسوسات وبرزخية وهي المخيلات. فأما الحقائق الذاتية فكل مشهد يقيمك الحق فيه من غير تشبيه ولا تكييف لا تسعه العبارة ولا تومئ إليه الإشارة. وأما الحقائق الصفاتية فكل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة كونه سبحانه عالما قادرا مريدا حيا إلى غير ذلك من الأسماء والصفات المختلفة والمتقابلة والمتماثلة. وأما الحقائق الكونية فكل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة الأرواح والبسائط والمركبات
(٣٣)