أن يريد ما لا يعلم أو يفعل المختار المتمكن من ترك ذلك الفعل ما لا يريد كما يستحيل أن توجد نسب هذه الحقائق في غير حي كما يستحيل أن تقوم الصفات بغير ذات موصوفة بها فما في الوجود طاعة ولا عصيان ولا ربح ولا خسران ولا عبد ولا حر ولا برد ولا حر ولا حياة ولا موت ولا حصول ولا فوت ولا نهار ولا ليل ولا اعتدال ولا ميل ولا بر ولا بحر ولا شفع ولا وتر ولا جوهر ولا عرض ولا صحة ولا مرض ولا فرح ولا ترح ولا روح ولا شبح ولا ظلام ولا ضياء ولا أرض ولا سماء ولا تركيب ولا تحليل ولا كثير ولا قليل ولا غداة ولا أصيل ولا بياض ولا سواد ولا رقاد ولا سهاد ولا ظاهر ولا باطن ولا متحرك ولا ساكن ولا يابس ولا رطب ولا قشر ولا لب ولا شئ من هذه النسب المتضادات منها والمختلفات والمتماثلات إلا وهو مراد للحق تعالى وكيف لا يكون مرادا له وهو أوجده فكيف يوجد المختار ما لا يريد لا راد لأمره ولا معقب لحكمه يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ويضل من يشاء ويهدي من يشاء ما شاء كان وما لم يشاء أن يكون لم يكن لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يريدوا شيئا لم يرد الله تعالى أن يريدوه ما أرادوه أو يفعلوا شيئا لم يرد الله تعالى إيجاده وأرادوه عند ما أراد منهم أن يريدوه ما فعلوه ولا استطاعوا على ذلك ولا أقدرهم عليه فالكفر والايمان والطاعة والعصيان من مشيئته وحكمه وإرادته ولم يزل سبحانه موصوفا بهذه الإرادة أزلا والعالم معدوم غير موجود وإن كان ثابتا في العلم في عينه ثم أوجد العالم من غير تفكر ولا تدبر عن جهل أو عدم علم فيعطيه التفكر والتدبر علم ما جهل جل وعلا عن ذلك بل أوجده عن العلم السابق وتعيين الإرادة المنزهة الأزلية القاضية على العالم بما أوجدته عليه من زمان ومكان وأكوان وألوان فلا مريد في الوجود على الحقيقة سواه إذ هو القائل سبحانه وما تشاءون إلا أن يشاء الله وأنه سبحانه كما علم فاحكم وأراد فخصص وقدر فأوجد كذلك سمع ورأى ما تحرك أو سكن أو نطق في الورى من العالم الأسفل والأعلى لا يحجب سمعه البعد فهو القريب ولا يحجب بصره القرب فهو البعيد يسمع كلام النفس في النفس وصوت المماسة الخفية عند اللمس ويرى السواد في الظلماء والماء في الماء لا يحجبه الامتزاج ولا الظلمات ولا النور وهو السميع البصير تكلم سبحانه لا عن صمت متقدم ولا سكوت متوهم بكلام قديم أزلي كسائر صفاته من علمه وإرادته وقدرته كلم به موسى ع سماه التنزيل والزبور والتوراة والإنجيل من غير حروف ولا أصوات ولا نغم ولا لغات بل هو خالق الأصوات والحروف واللغات فكلامه سبحانه من غير لهاة ولا لسان كما إن سمعه من غير أصمخة ولا آذان كما إن بصره من غير حدقة ولا أجفان كما إن إرادته في غير قلب ولا جنان كما إن علمه من غير اضطرار ولا نظر في برهان كما إن حياته من غير بخار تجويف قلب حدث عن امتزاج الأركان كما إن ذاته لا تقبل الزيادة والنقصان فسبحانه سبحانه من بعيد دان عظيم السلطان عميم الإحسان جسيم الامتنان كل ما سواه فهو عن جوده فائض وفضله وعدله الباسط له والقابض أكمل صنع العالم وأبدعه حين أوجده واخترعه لا شريك له في ملكه ولا مدبر معه في ملكه إن أنعم فنعم فذلك فضله وإن أبلى فعذب فذلك عدله لم يتصرف في ملك غيره فينسب إلى الجور والحيف ولا يتوجه عليه لسواه حكم فيتصف بالجزع لذلك والخوف كل ما سواه تحت سلطان قهره ومتصرف عن إرادته وأمره فهو الملهم نفوس المكلفين التقوى والفجور وهو المتجاوز عن سيئات من شاء والآخذ بها من شاء هنا وفي يوم النشور لا يحكم عدله في فضله ولا فضله في عدله أخرج العالم قبضتين وأوجد لهم منزلتين فقال هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي ولم يعترض عليه معترض هناك إذ لا موجود كان ثم سواه فالكل تحت تصريف أسمائه فقبضة تحت أسماء بلائه وقبضة تحت أسماء آلائه ولو أراد سبحانه أن يكون العالم كله سعيدا لكان أو شقيا لما كان من ذلك في شأن لكنه سبحانه لم يرد فكان كما أراد فمنهم الشقي والسعيد هنا وفي يوم المعاد فلا سبيل إلى تبديل ما حكم عليه القديم وقد قال تعالى في الصلاة هي خمس وهي خمسون ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد لتصرفي في ملكي وإنفاذ مشيئتي في ملكي وذلك لحقيقة عميت عنها الأبصار والبصائر ولم تعثر عليها الأفكار ولا الضمائر إلا بوهب إلهي وجود رحماني
(٣٧)