لا ينظر كيف كانت حالته قبل النظر وفي حال النظر هل هو مسلم أم لا وهل يصلي ويصوم أو ثبت عنده أن محمدا رسول الله إليه أو إن الله موجود فإن كان معتقدا لهذا كله فهذه حالة العوام فليتركهم على ما هم عليه ولا يكفر أحدا وإن لم يكن معتقدا لهذا إلا حتى ينظر ويقرأ علم الكلام فنعوذ بالله من هذا المذهب حيث أداه سوء النظر إلى الخروج عن الايمان وعلماء هذا العلم رضي الله عنهم ما وضعوه وصنفوا فيه ما صنفوه ليثبتوا في أنفسهم العلم بالله وإنما وضعوه إرداعا للخصوم الذين جحدوا الإله أو الصفات أو بعض الصفات أو الرسالة أو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة أو حدوث العالم أو الإعادة إلى هذه الأجسام بعد الموت أو الحشر والنشر وما يتعلق بهذا الصنف وكانوا كافرين بالقرآن مكذبين به جاحدين له فطلب علماء الكلام إقامة الأدلة عليهم على الطريقة التي زعموا أنها أدتهم إلى إبطال ما ادعينا صحته خاصة حتى لا يشوشوا على العوام عقائدهم فمهما برز في ميدان المجادلة بدعي برز له أشعري أو من كان من أصحاب علم النظر ولم يقتصروا على السيف رغبة منهم وحرصا على إن يردوا واحدا إلى الايمان والانتظام في سلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالبرهان إذ الذي كان يأتي بالأمر المعجز على صدق دعواه قد فقد وهو الرسول ع فالبرهان عندهم قائم مقام تلك المعجزة في حق من عرف فإن الراجع بالبرهان أصح إسلاما من الراجع بالسيف فإن الخوف يمكن أن يحمله على النفاق وصاحب البرهان ليس كذلك. فلهذا رضي الله عنهم وضعوا علم الجوهر والعرض لا غير ويكفي في المصر منه واحد فإذا كان الشخص مؤمنا بالقرآن أنه كلام الله قاطعا به فليأخذ عقيدته منه من غير تأويل ولا ميل فنزه سبحانه نفسه أن يشبهه شئ من المخلوقات أو يشبه شيئا بقوله تعالى ليس كمثله شئ وهو السميع البصير وسبحان ربك رب العزة عما يصفون. وأثبت رؤيته في الدار الآخرة بظاهر قوله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وكلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وانتفت الإحاطة بدركه بقوله لا تدركه الأبصار وثبت كونه قادرا بقوله وهو على كل شئ قدير وثبت كونه عالما بقوله أحاط بكل شئ علما وثبت كونه مريدا بقوله فعال لما يريد وثبت كونه سميعا بقوله لقد سمع الله وثبت كونه بصيرا بقوله ألم يعلم بأن الله يرى وثبت كونه متكلما بقوله وكلم الله موسى تكليما وثبت كونه حيا بقوله الله لا إله إلا هو الحي القيوم وثبت إرسال الرسل بقوله وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم وثبتت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى محمد رسول الله وثبت أنه آخر الأنبياء بقوله وخاتم النبيين وثبت أن كل ما سواه خلق له بقوله الله خالق كل شئ وثبت خلق الجن بقوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وثبت حشر الأجساد بقوله منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى إلى أمثال هذا مما تحتاج إليه العقائد من الحشر والنشر والقضاء والقدر والجنة والنار والقبر والميزان والحوض والصراط والحساب والصحف وكل ما لا بد للمعتقد أن يعتقده قال تعالى ما فرطنا في الكتاب من شئ وأن هذا القرآن معجزته ع بطلب معارضته والعجز عن ذلك في قوله قل فأتوا بسورة من مثله ثم قطع أن المعارضة لا تكون أبدا بقوله قل لئن اجتمعت الإنس والجن على إن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وأخبر بعجز من أراد معارضته وإقراره بأن الأمر عظيم فيه فقال إنه فكر وقدر إلى قوله إن هذا إلا سحر يؤثر ففي القرآن العزيز للعاقل غنية كبيرة ولصاحب الداء العضال دواء وشفاء كما قال وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ومقنع شاف لمن عزم على طريق النجاة ورغب في سمو الدرجات وترك العلوم التي تورد عليها الشبه والشكوك فيضيع الوقت ويخاف المقت إذ المنتحل لتلك الطريقة قلما ينجو من التشغيب أو يشتغل برياضة نفسه وتهذيبها فإنه مستغرق الأوقات في إرداع الخصوم الذين لم يوجد لهم عين ودفع شبه يمكن إن وقعت للخصم ويمكن إن لم تقع فقد تقع وقد لا تقع وإذا وقعت فسيف الشريعة أردع وأقطع. أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وحتى يؤمنوا بي وبما جئت به هذا قوله صلى الله عليه وسلم ولم يدفعنا لمجادلتهم إذا حضروا إنما هو الجهاد والسيف إن عاند فيما قيل له فكيف بخصم متوهم نقطع الزمان بمجادلته وما رأينا له عينا ولا قال لنا شيئا وإنما نحن مع ما وقع لنا في نفوسنا ونتخيل أنا مع غيرنا ومع هذا فإنهم رضي الله عنهم اجتهدوا وخيرا قصدوا وإن كان الذي تركوا أوجب عليهم من الذي شغلوا نفوسهم به والله ينفع الكل بقصده ولولا التطويل لتكلمت على مقامات العلوم ومراتبها وإن علم
(٣٥)