قوله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال عز وجل يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله أي فيما أمركم به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مما قال فيه صلى الله عليه وسلم إن الله يأمركم وهو كل أمر جاء في كتاب الله تعالى ثم قال وأطيعوا الرسول ففصل أمر طاعة الله من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فلو كان يعني بذلك ما بلغ إلينا من أمر الله تعالى لم تكن ثم فائدة زائدة فلا بد أن يوليه رتبة الأمر والنهي فيأمر وينهى فنحن مأمورون بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله بأمره وقال تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله وطاعتنا له فيما أمر به صلى الله عليه وسلم ونهى عنه مما لم يقل هو من عند الله فيكون قرآنا قال الله عز وجل وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فأضاف النهي إليه صلى الله عليه وسلم فأتى بالألف واللام في الرسول يريد بهما التعريف والعهد أي الرسول الذي استخلفناه عنا فجعلنا له أن يأمر وينهى زائدا على تبليغ أمرنا ونهينا إلى عبادنا ثم قال تعالى في الآية عينها وأولي الأمر منكم أي إذا ولي عليكم خليفة عن رسولي أو وليتموه من عندكم كما شرع لكم فاسمعوا له وأطيعوا ولو كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف فإن في طاعتكم إياه طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا لم يستأنف في أولي الأمر أطيعوا واكتفى بقوله أطيعوا الرسول ولم يكتف بقوله أطيعوا الله عن قوله أطيعوا الرسول ففصل لكونه تعالى ليس كمثله شئ واستأنف القول بقوله وأطيعوا الرسول فهذا دليل على أنه تعالى قد شرع له صلى الله عليه وسلم أن يأمر وينهى وليس لأولي الأمر أن يشرعوا شريعة إنما لهم الأمر والنهي فيما هو مباح لهم ولنا فإذا أمرونا بمباح أو نهونا عن مباح وأطعناهم في ذلك أجرنا في ذلك أجر من أطاع الله فيما أوجبه عليه من أمر ونهي وهذا من كرم الله بنا ولا يشعر بذلك أهل الغفلة منا (مسألة أخرى من هذا الباب) إنما أمرت الملائكة والخلق أجمعون بالسجود وجعل معه القربة فقال واسجد واقترب وقال صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من الله في سجوده ليعلموا أن الحق في نسبة الفوق إليه من قوله وهو القاهر فوق عباده ويخافون ربهم من فوقهم كنسبة التحت إليه فإن السجود طلب السفل بوجهه كما إن القيام يطلب الفوق إذا رفع وجهه بالدعاء ويديه وقد جعل الله السجود حالة القرب من الله فلم يقيده سبحانه الفوق عن التحت ولا التحت عن الفوق فإنه خالق الفوق والتحت كما لم يقيده الاستواء على العرش عن النزول إلى السماء الدنيا ولم يقيده النزول إلى السماء الدنيا عن الاستواء على العرش كما لم يقيده سبحانه الاستواء والنزول عن أن يكون معنا أينما كنا كما قال تعالى وهو معكم أينما كنتم بالمعنى الذي يليق به وعلى الوجه الذي أراده كما قال أيضا ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي كما قال عنه هود عليه السلام ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها وقال تعالى أيضا في حق الميت ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فنسب القرب إليه من الميت وقال أيضا عز وجل ونحن أقرب إليه من حبل الوريد يعني الإنسان مع قوله ليس كمثله شئ وهو السميع البصير
(٢٦٤)