الحكم في الممكنات وإن لم يكن أمرا وجوديا وكان نسبة فحدثت النسبة بحدوث الموجود المعلول حدوثا عقليا لا حدوثا وجوديا وإذا لم يعقل بين الحق والخلق بون زماني فلم يبق إلا الرتبة فلا يصح أن يكون أبدا الخلق في رتبة الحق كما لا يصح أن يكون المعلول في رتبة العلة من حيث ما هو معلول عنها فالذي هرب منه المتكلم في زعمه وشنع به على الحكيم القائل بالعلة يلزمه في سبق العلم بكون المعلوم لأن سبق العلم يطلب كون المعلوم لذاته ولا بد ولا يعقل بينهما بون مقدر فهذا قد نبهناك على بعض ما ينبغي في هذه المسألة فالعالم لم يبرح في رتبة إمكانه سواء كان معدوما أو موجودا والحق تعالى لم يبرح في مرتبة وجوب وجوده لنفسه سواء كان العالم أو لم يكن فلو دخل العالم في الوجوب النفسي لزم قدم العالم ومساوقته في هذه الرتبة لواجب الوجود لنفسه وهو الله ولم يدخل بل بقي على إمكانه وافتقاره إلى موجدة وسببه وهو الله تعالى فلم يبق معقول البينية بين الحق والخلق إلا التمييز بالصفة النفسية فبهذا نفرق بين الحق والخلق فافهم وأما قولنا هل يكون في العقل للأمر المعلول علتان فلا يصح أن يكون للمعلول العقلي علتان بل إن كان معلولا فعن علة واحدة لأنه لا فائدة للعلة إلا أن يكون لها أثر في المعلول وأما إن اتفق أن يكون من شرط المعلول أن يكون على صفة بها يقبل أن يكون معلولا لهذه العلة ولا يمكن أن يكون هذا علة لذلك المعلول نفسه إلا أن يكون ذلك المعلول بتلك الصفة النفسية فلا بد منها ولا يلزم من هذا أن تكون تلك الصفة النفسية علة له فإنها صفة نفسية والشئ لا يكون علة لنفسه فإنه يؤدي إلى أن تكون العلة عين المعلول فيكون الشئ متقدما على نفسه بالرتبة وهذا محال فكون الشئ علة لنفسه محال فإن العالم لو لم يكن في نفسه على صفة يقبل الاتصاف بالوجود والعدم على السواء لم يصح أن يكون معلولا لعلته المرجحة له أحد الجائزين بالنظر إلى نفسه فإن المحال لا يقبل صفة الإيجاد فلا يكون الحق علة له فبطل أن يكون كونه ممكنا علة له وبطل أن يكون للشئ علتان فإن الأثر للعلة في المعلول إنما كان وجوده فما حكم العلة الأخرى فيه إن كان وجوده فقد حصل من إحداهما فلم يبق للآخر أثر فإن قيل باجتماعهما كان المعلول عن ذلك الاجتماع فكان عنهما قلنا فكل واحد منهما إذا انفرد لا يكون علة ولا يصح عليه اسم العلية وقد صح فبطل أن يكون كونه علة متوقفا على أمر آخر فإن قال وما المانع أن تكون العلة بالاجتماع قلنا إنما يكون الشئ علة لنفسه لهذا المعلول عنه لا لغيره فيكون معلولا لذلك الغير لأن ذلك الغير كسبه العلية وكل مكتسب لا يكون صفة نفسية ولو قلنا باجتماعهما كان علة فلا يخلو ذلك الاجتماع أن يكون أمرا زائدا على نفس كل واحد منهما أو هو عينهما لا جائز أن يكون عينهما فإنا نعقل عين كل واحد منهما ولا اجتماع فلا بد أن يكون زائدا فذلك الزائد لا بد أن يكون وجودا أو عدما أو لا وجودا ولا عدما أو وجودا وعدما معا فهذا القسم الرابع محال بالبديهة ومحال أن يكون وجودا للتسلسل اللازم له بما يلزمه من ملزومه أو الدور فيكون علة لمن هو معلول له وهذا محال ومحال أن يكون عدما لأن العدم نفي محض ولا يتصف النفي المحض بالأثر ومحال أن يكون لا وجود ولا عدم كالنسب إذ لا حقيقة للنسب في الوجود فإنها أمور إضافية تحدث ولا يكون ما يحدث علة لما هو عنه حادث فبطل إن يكون للشئ علتان في العقل وأما في الوضعيات فقد يعتبر الشرع أمورا تكون بالمجموع سببا في ترتيب الحكم هذا لا يمنع فإذ قد علمت هذا فهو أدل دليل على توحيد الله تعالى كونه علة في وجود العالم غير أن إطلاق هذا اللفظ عليه لم يرد به الشرع فلا نطلقه عليه ولا ندعوه به فهذا توحيد ذاتي ينتفي معه الشريك بلا شك قال الله عز وجل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ومعنى هذا لم يوجدا يعني العالم العلوي وهو السماء والسفلي وهو الأرض فحقق هذه المسألة في ذهنك فإنها نافعة في نفي الشريك ونفي التحديد عن الله تعالى فلا حد لذاته ولا شريك له في ملكه لا إله إلا هو العزيز الحكيم إنما عللوا الذي * عللوه لكونه هو معلول علمه * ليس معلول عينه فانظروا ما نصصته * فهو من سر بينه فصل الأمر نفسه * عن سواه ببينة في سر محقق * إنني سر عونه
(٢٦٢)