العرش ولا إلى السماء الدنيا ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يقول في هذا النزول إلى السماء الدنيا هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فاغفر له هل من سائل فأعطيه هل من داع فأجيبه فهذا كله من باب رحمته ولطفه وهذا حقيقة الاسم الرحمن الذي استوى على العرش فنزلت هذه الصفة مع الاسم الرب إلى السماء الدنيا فهو ما أعلمناك به إن كل اسم إلهي يتضمن حكم جميع الأسماء الإلهية من حيث إن المسمى واحد فيعلم صاحب هذا المقام من هذا النزول الرباني السماوي ما يختص بالاسم الرحمن منه الذي قال به هل من تائب هل من مستغفر فإن الرحمن يطلب هذا القول بلا شك فهذا حظ ما يعلم صاحب هذا المقام من هذا النزول بلا واسطة ويعلم نزول الرب من العماء إلى السماء بوساطة الاسم الرحمن لأنه ليس للاسم الرب على صاحب هذا المقام سلطان فإنه كما قلنا الاسم الرحمن فلا يعلم من الاسم الرب ولا غيره أمرا إلا بالاسم الرحمن فيعلم عند ذلك بإعلام الرحمن إياه ما أراد الحق بنزوله من العماء إلى السماء على هذا الوجه هي معرفته ثم مما يختص بعلمه صاحب هذا المقام بوساطة الاسم الرحمن علم قول الله ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فأتى بياء الإضافة في السعة والعبودية فلم يأخذ من الله إلا قدر ما تعطيه الياء خاصة ويتضمن هذا علمين علما بما فيه من العناية بعبده المؤمن فيأخذه من الاسم الرحمن بذاته وعلما بما فيه من سر الإضافة بحرف الياء فيأخذه من الله بترجمة الاسم الرحمن فيعلم إن للسعة هنا المراد بها الصورة التي خلق الإنسان عليها كأنه يقول ما ظهرت أسمائي كلها إلا في النشأة الإنسانية قال تعالى وعلم آدم الأسماء كلها أي الأسماء الإلهية التي وجدت عنها الأكوان كلها ولم تعطها الملائكة وقال صلى الله عليه وسلم إن الله خلق آدم على صورته وإن كان الضمير عندنا متوجها أن يعود على آدم فيكون فيه رد على بعض النظار من أهل الأفكار ويتوجه أن يعود على الله لتخلقه بجميع الأسماء الإلهية فعلمت إن هذه السعة إنما قبلها العبد المؤمن لكونه على الصورة كما قبلت المرآة صورة الرائي دون غيرها مما لا صقالة فيه ولا صفاء ولم يكن هذا للسماء لكونها شفافة ولا للأرض لكونها غير مصقولة فدل على إن خلق الإنسان وإن كان عن حركات فلكية هي أبوه وعن عناصر قابلة وهي أمه فإن له من جانب الحق أمرا ما هو في آبائه ولا في أمهاته من ذلك الأمر وسع جلال الله تعالى إذ لو كان ذلك من قبل أبيه الذي هو السماء أو أمه التي هي الأرض أو منهما لكان السماء والأرض أولى بأن يسعا الحق ممن تولد عنهما ولا سيما والله تعالى يقول الخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون يريد في المعنى لا في الجرمية ومع هذا فاختص الإنسان بأمر أعطاه هذه السعة التي ضاق عنها السماء والأرض فلم تكن له هذه السعة إلا من حيث أمر آخر من الله فضل به على السماء والأرض فكل واحد من العالم فاضل مفضول فقد فضل كل واحد من العالم من فضله لحكمة الافتقار والنقص الذي هو عليه كل ما سوى الله فإن الإنسان إذا زها بهذه السعة وافتخر على الأرض والسماء جاءه قوله تعالى لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس وإذا زهت السماء والأرض بهذه الآية على الإنسان جاء قوله ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي فأزال عنه هذا العلم ذلك الزهو والفخر وعنهما وافتقر الكل إلى ربه وانحجب عن زهوه ونفسه وقوله ولكن أكثر الناس لا يعلمون يدل على إن بعض الناس يعلم ذلك وعلم هذا من علمه منا من الاسم الرحمن الذي هو له وبه تحقق فسل به خبيرا فرحمه عند ما زها بعلم ما فضل به على السماء والأرض وعلم من ذلك أنه ما حصل له من الاسم الرحمن إلا قدر ما كشف له مما فيه دواؤه فإن ذلك الأمر الذي به فضل السماء والأرض هذا العبد هو أيضا من الاسم الرحمن ما جاد به على هذا العبد ولا تقول إن هذا طعن في كونه نسخة من العالم بل هو على الحقيقة نسخة جامعة باعتبار إن فيه شيئا من السماء بوجه ما ومن الأرض بوجه ما ومن كل شئ بوجه ما لا من جميع الوجوه فإن الإنسان على الحقيقة من جملة المخلوقات لا يقال فيه إنه سماء ولا أرض ولا عرش ولكن يقال فيه إنه يشبه السماء من وجه كذا والأرض من وجه كذا والعرش من وجه كذا وعنصر النار من وجه كذا وركن الهواء من وجه كذا والماء والأرض وكل شئ في العالم فبهذا الاعتبار يكون نسخة وله اسم الإنسان كما للسماء اسم السماء ومن علوم صاحب هذا المقام نزول القرآن فرقانا لا قرآنا فإذا علمه قرآنا فليس من الاسم الرحمن وإنما الاسم الرحمن ترجم له عن اسم آخر إلهي يتضمنه الاسم الرحمن وأنه نزل في ليلة مباركة وهي ليلة القدر
(٢١٦)