التبليغ من صفة الكلام تعين التبليغ على نسبة كونه متكلما بتعريف الطريق التي فيها سعادة العباد التي عينها العلم فأبان الكلام الإلهي بترجمته عن العلم ما عينه من ذلك فكان الوجوب على النسبة فإنها نسب مختلفة وكذلك سائر النسب الإلهية من إرادة وقدرة وغير ذلك وقد بينا محاضرة الأسماء الإلهية ومحاورتها ومجاراتها في حلبة المناظرة على إيجاد هذا العالم الذي هو عبارة عن كل ما سوى الله في كتاب عنقاء مغرب بوبنا عليه محاضرة أزلية على نشأة أبدية وكذلك في كتاب إنشاء الجداول والدوائر لنا فقد علمت كيف تعلق الوجوب الإلهي على الحضرة الإلهية إن كنت فطنا لعلم النسب وعلى هذا يخرج قوله تعالى يوم نحشر المتقين إلى الرحمن ووفدا وكيف يحشر إليه من هو جليسه وفي قبضته سمع أبو يزيد البسطامي قارئا يقرأ هذه الآية يوم نحشر المتقين إلى الرحمن ووفدا فبكى حتى ضرب الدمع المنبر بل روى أنه طار الدم من عينيه حتى ضرب المنبر وصاح وقال يا عجبا كيف يحشر إليه من هو جليسه فلما جاء زماننا سألنا عن ذلك فقلت ليس العجب إلا من قول أبي يزيد فاعلموا إنما كان ذلك لأن المتقي جليس الجبار فيتقي سطوته والاسم الرحمن ما له سطوة من كونه الرحمن إنما الرحمن يعطي اللين واللطف والعفو والمغفرة فلذلك يحشر إليه من الاسم الجبار الذي يعطي السطوة والهيبة فإنه جليس المتقين في الدنيا من كونهم متقين وعلى هذا الأسلوب تأخذ الأسماء الإلهية كلها وكذا تجدها حيث وردت في ألسنة النبوات إذا قصدت حقيقة الاسم وتميزه من غيره فإن له دلالتين دلالة على المسمى به ودلالة على حقيقته التي بها يتميز عن اسم آخر فافهم واعلم أن هؤلاء الرجال إنما كان سبب اشتغالهم بمعرفة النية كونهم نظروا إلى الكلمة وفيها فعلموا أنها ما ألفت حروفها وجمعت إلا لظهور نشأة قائمة تدل على المعنى الذي جمعت له في الاصطلاح فإذا تلفظ بها المتكلم فإن السامع يكون همه في فهم المعنى الذي جاءت له فإن بذلك تقع الفائدة ولهذا وجدت في ذلك اللسان على هذا الوضع الخاص ولهذا لا يقول هؤلاء الرجال بالسماع المقيد بالنغمات لعلو همتهم ويقولون بالسماع المطلق فإن السماع المطلق لا يؤثر فيهم إلا فهم المعاني وهو السماع الروحاني الإلهي وهو سماع الأكابر والسماع المقيد إنما يؤثر في أصحابه النغم وهو السماع الطبيعي فإذا ادعى من ادعى أنه يسمع في السماع المقيد بالألحان المعنى ويقول لولا المعنى ما تحركت ويدعي أنه قد خرج عن حكم الطبيعة في ذلك يعني في السبب المحرك فهو غير صادق وقد رأينا من ادعى ذلك من المتشيخين المتطفلين على الطريقة فصاحب هذه الدعوى إذا لم يكن صادقا يكون سريع الفضيحة وذلك أن هذا المدعي إذا حضر مجلس السماع فاجعل بالك منه فإذا أخذ القوال في القول بتلك النغمات المحركة بالطبع للمزاج القابل أيضا وسرت الأحوال أالنفوس الحيوانية فحركت الهياكل حركة دورية لحكم استدارة الفلك وهو أعني الدور مما يدلك على إن السماع طبيعي لأن اللطيفة الإنسانية ما هي عن الفلك وإنما هي عن الروح المنفوخ منه وهي غير متحيزة فهي فوق الفلك فما لها في الجسم تحريك دوري ولا غير دوري وإنما ذلك للروح الحيواني الذي هو تحت الطبيعة والفلك فلا تكن جاهلا بنشأتك ولا بمن يحركك فإذا تحرك هذا المدعي وأخذه الحال ودار أو قفز إلى جهة فوق من غير دور وقد غاب عن إحساسه بنفسه وبالمجلس الذي هو فيه فإذا فرع من حاله ورجع إلى إحساسه فاسأله ما الذي حركه فيقول إن القوال قال كذا وكذا ففهمت منه معنى كذا وكذا فذلك المعنى حركني فقل له ما حركك سوى حسن النغمة والفهم إنما وقع لك في حكم التبعية فالطبع حكم على حيوانيتك فلا فرق بينك وبين الجمل في تأثير النغمة فيك فيعز عليه مثل هذا الكلام ويثقل ويقول لك ما عرفتني وما عرفت ما حركني فاسكت عنه ساعة فإن صاحب هذه الدعوى تكون الغفلة مستولية عليه ثم خذ معه في الكلام الذي يعطي ذلك المعنى فقل له ما أحسن قول الله تعالى حيث يقول واتل عليه آية من كتاب الله تتضمن ذلك المعنى الذي كان حركه من صوت المغني وحققه عنده حتى يتحققه فيأخذ معك فيه ويتكلم ولا يأخذه لذلك حال ولا حركة ولا فناء ولكن يستحسنه ويقول لقد تتضمن هذه الآية معنى جليلا من المعرفة بالله فما أشد فضيحته في دعواه فقل له يا أخي هذا المعنى بعينه هو الذي ذكرت لي أنه حركك في السماع البارحة لما جاء به القوال في شعره بنغمته الطيبة فلأي معنى سرى فيك الحال البارحة وهذا المعنى موجود فيما قد صغته لك وسقته بكلام الحق تعالى الذي هو أعلى وأصدق وما رأيتك تهتز مع الاستحسان وحصول الفهم وكنت البارحة
(٢١٠)