تقضى الحرب وانقضاء القتال لم يجز إبقاؤهم بفداء ولا بغيره ولا استرقاقهم بل يتخير الامام بين قتلهم وبين قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف فيتركهم حتى ينزفوا بالدم ويموتوا وإن أسروا بعد إن وضعت الحرب أو زارها وتقضى القتال لم يجز قتلهم ويتخير الامام بين أن يمن عليهم فيطلقهم وبين أن يفاديهم على مال ويدفعونه إليه ويخلص به رقابهم من العبودية وبين أن يسترقهم ويستعبدهم ذهب إليه علماؤنا أجمع وقال الشافعي يتخير الامام بين أربعة أشياء أن يقتلهم صبرا بضرب الرقبة لا بالتحريق ولا بالتغريق ولا يمثل بهم أو يمن عليهم فيخلى سبيلهم أو يفاديهم بالرجال أو بالمال على ما يراه من المصلحة لا على اختيار الشهوة أو يسترقهم و يكون مال الفداء ورقابهم إذا استرقوا كساير أموال الغنيمة وهو رواية عن أحمد ولم يفرقوا بين أن يستأسروا قبل انقضاء القتال أو بعده وقال أبو حنيفة ليس له المن والفداء بل يتخير بين القتل والاسترقاق لا غير وقال أبو يوسف لا يجوز المن ويجوز الفداء بالرجال دون الأموال وقال مالك يتخير بين القتل والاسترقاق والفداء بالرجال دون المال وهو رواية عن أحمد وبه قال الأوزاعي وأبو ثور وفي رواية عن مالك لا يجوز المن بغير فداء وحكى عن الحسن البصري وعطا و سعيد بن جبير كراهة قتل الأسارى. لنا قوله تعالى " فإما منا بعد وإما فدا " وقتل رسول الله يوم بدر عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحرث وروى العامة إن النبي صلى الله عليه وآله قتل عقبه صبرا وقتل أبا غرة يوم أحد ومن على ثمامة بن أثال وقال في أسارى بدر لو كان مطعم بن عدي حيا ثم سألني في هؤلاء السبى لأطلقتهم وفادى أسارى بدر وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا كل واحد بأربعمائة وفادى رجلا اسره أصحابه برجلين أسرتهما ثقيف من أصحابه ومن طريق الخاصة قول الصادق (ع) لم يقتل رسول الله صلى الله عليه وآله رجلا صبرا قط غير رجل واحد عقبة بن أبي معيط وطعن أبى بن خلف فمات بعد ذلك ولان كل خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح من غيرها في بعض الاسرى فان ذا القوة والنكاية في المسلمين قتله أنفع وبقاؤه أضر والضعيف المال لا قدرة له على الحرب ففداؤه أصلح للمسلمين ومنهم من هو حسن الرأي في الاسلام ويرجى إسلامه فالمن عليه أولي أو يرجى بالمن عليه المن على الأسارى من المسلمين أو يحصل بخدمته نفع يؤمن ضرره كالصبيان والنساء فاسترقاقه أولي و الامام أعرف بهذه المصالح فكان النظر إليه في ذلك كله وأما الذي يدل على التفصيل قول الصادق (ع) كان أبى (ع) يقول إن للحرب حكمين إذا كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها ولم تضجر أهلها فكل أسير أخذ في تلك الحال فإن الامام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم و تركه يتشحط في ذمه حتى يموت إلى أن قال والحكم الاخر إذا وضعت الحرب أوزارها واثخن أهلها فكل أسير أخذ على تلك الحالة وكان في أيديهم فالامام فيه بالخيار إن شاء من عله وإن شاء فاداهم أنفسهم وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا. احتج مالك بأنه لا مصلحة في المن بغير عوض وهو ممنوع واحتج عطا بقوله تعالى " فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء " فخيره بعد الأسر بين هذين لا غير وهو تخيير في الأسير بعد انقضاء الحرب. واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " بعد قوله " فإما منا بعد وإما فداء " لان آية المن نزلت بمكة وآية القتل نزلت بالمدينة في اخر سورة نزلت هي براءة فيكون ناسخا ونمنع النسخ فإن العام والخاص إذا تعارضا عمل بالعام في غير صورة الخاص وهذا التخيير ثابت في كل أصناف الكفار سواء كانوا ممن يقر على دينه بالجزية كأهل الكتاب أو لا كأهل الحرب وبه قال الشافعي لان (الحربي صح) كافرا صلى فجاز استرقاقه كالكتابي ولان حديث الصادق (ع) عام في كل أسير وقال الشيخ (ره) إن أسر رجل بالغ فإن كان من أهل الكتاب أو ممن له شبهة كتاب فالامام مخير فيه على ما مضى بين الأشياء الثلاثة وإن كان من عبدة الأوثان تخير الامام فيه بين المفاداة والمن ويسقط الاسترقاق وبه قال أبو سعيد الإصطخري وعن أحمد روايتان وقال أبو حنيفة يجوز في العجم دون العرب وهو قول الشافعي في القديم. واحتج الشيخ (ره) بأنه لا يجوز له إقرارهم بالجزية فلا يجوز له إقرارهم بالأسرة ونمنع الملازمة ويبطل بالنساء والصبيان فإنهم يسترقون ولا يقرون بالجزية وهذا التخيير تخيير مصلحة واجتهاد لا تخيير شهوة فمتى رأى الامام المصلحة في خصلة من هذه الخصال تعينت عليه ولم يجز العدول عنه ولو تساوت المصالح تخير تخيير شهوة وقال مالك القتل أولى. مسألة. الأقرب جواز استرقاق بعض الشخص والفداء والمن في الباقي وللشافعية وجهان بناء على القولين في أن إحدى الشريكين إذا أولد الجارية المشتركة وهو معسر يكون الولد كله حرا أو يكون بقدر نصيب الشريك رقيقا فعلى تقدير عدم الجواز قالوا إذا ضرب الرق على بعضه رق الكل وقال بعضهم يجوز أن يقال لا يرق شئ وإن اختار الفداء جاز الفداء بالمال سلاحا كان أو غيره ويجوز أن يفديهم بأسلحتنا في أيديهم ولا يجوز رد أسلحتهم في أيدينا بمال يبذلونه كما لا يجوز بيع السلاح منهم وفي جواز ردها بأسارى المسلمين وجهان والأقرب عندي الجواز وأما العبيد إذا وقعوا في الأسر كانوا كساير الأموال المغنومة لا يتخير الامام فيهم لان عبد الحربي ماله لأنه لو أسلم في دار الحرب ولم يخرج ولا قهر سيده لم يزل ملك الحربي عنه فإذا سباه المسلمون كان عبدا مسلما لا يجوز المن عليه ويجوز استرقاقه ولولا أنه مال لجاز تخلية سبيله كالحر ولما جاز استرقاقه لأنه مسلم وهذا قول أكثر الشافعية وقال بعضهم لو رأى الامام قتله لشره وقوته قتله وضمن قيمته للغانمين والأولى عندي جواز قتله من غير ضمان دفعا لشره . مسألة. لو أسلم الأسير بعد الأسر سقط عنه القتل إجماعا لما رواه العامة من قوله (ع) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دمائهم الحديث ومن طريق الخاصة قول زين العابدين (ع) الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه وصار قنا وهل بسقوط القتل يصير رقا أو يتخير الامام في باقي الجهات للشافعية قولان أحدهما يسترق بنفس الاسلام وبه قال احمد لأنه أسير يحرم قتله فيجب استرقاقه كالمرأة والثاني التخيير بين المن والفداء والاسترقاق وهو قول الشيخ (ره) لان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أسروا رجلا من بنى عقيل فأوثقوه وطرحوه في الحرة فمر به رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا محمد على ما أخذت وأخذت سابقة الحاج فقال أخذت بجريرة خلفائك من ثقيف (وكانت ثقيف صح) قد أسرت رجلين من المسلمين ومضى النبي صلى الله عليه وآله فناداه يا محمد فقال له ما شأنك فقال إني مسلم فقال لو قلتها وأنت تملك أمرك لأفلحت كل الفالح وفادى به النبي صلى الله عليه وآله الرجلين ولو صار رقيقا لم يفاديه وعند الشافعي يسترق بنفس الاسلام ولا يمن عليه ولا يفادى به إلا بإذن الغانمين لأنه صار مالا (لهم وإذا نادى به مالا صح) أو رجالا جاز ليخلص من الرق فإن فأداه بالرجال جاز بشرط أن تكون له عشيرة تحميه من المشركين حيث صار مسلما وإلا لم يجز له رده والمال الذي يفادى به يكون غنيمة للغانمين. مسألة. لو أسلم الأسير قبل الظفر به ووقوعه في الأسر لم يجز قتله إجماعا ولا استرقاقه ولا مفاداته لأنه أسلم قبل أن يقهر بالسبي فلا يثبت فيه التخيير ولا فرق بين أن يسلم وهو محصور في حصن أو مصبور أو رمى نفسه في بئر وقد قرب الفتح وبين أن يسلم في حال أمنه وبه قال الشافعي لأنه لم يحصل في أيدي المسلمين بعد ويكون دمه محقونا لا سبيل لاحد عليه ويحقن ماله من الاستغنام وذريته من الأسر ويحكم بإسلامهم تبعا له وقال أبو حنيفة إسلامه بعد المحاصرة ودنوا الفتح لا يعصم نفسه عن الاسترقاق ولا ماله عن الاستغنام (الاغتنام خ ل) ولا فرق بين مال (وماله صح) وقال أبو حنيف إسلامه يحرز ما في يده من الأموال دون العقارات وهو الذي يذهب إليه لأنها بقعة من دار الحرب فجاز اغتنامها كما لو كانت لحربي ولا فرق بين أن يكون في دار الاسلام أو دار الحرب وبه قال الشافعي وقال مالك إذا أسلم
(٤٢٤)