كمثله شئ فكل عقل لم يكشف له من هذه المعرفة شئ يسأل عقلا آخر قد كشف له منها ليس في قوة ذلك العقل المسؤول العبارة عنها ولا تمكن ولذلك قال الصديق العجز عن درك الإدراك إدراك ولهذا الكلام مرتبتان فافهم فمن طلب الله بعقله من طريق فكره ونظره فهو تائه وإنما حسبه التهيؤ لقبول ما يهبه الله من ذلك فافهم وأما القوة الذاكرة فلا سبيل أن تدرك العلم بالله فإنها إنما تذكر ما كان العقل قبل علمه ثم غفل أو نسي وهو لم يعلمه فلا سبيل للقوة الذاكرة إليه وانحصرت مدارك الإنسان بما هو إنسان وما تعطيه ذاته وله فيه كسب وما بقي إلا تهيؤ العقل لقبول ما يهبه الحق من معرفته جل وتعالى فلا يعرف أبدا من جهة الدليل إلا معرفة الوجود وأنه الواحد المعبود لا غير فإن الإنسان المدرك لا يتمكن له أن يدرك شيئا أبدا إلا ومثله موجود فيه ولولا ذلك ما أدركه البتة ولا عرفه فإذا لم يعرف شيئا إلا وفيه مثل ذلك الشئ المعروف فما عرف إلا ما يشبهه ويشاكله والباري تعالى لا يشبه شيئا ولا في شئ مثله فلا يعرف أبدا ومما يؤيد ما ذكرناه أن الأشياء الطبيعية لا تقبل الغذاء إلا من مشاكلها فأما ما لا يشاكلها فلا تقبل الغذاء منه قطعا مثال ذلك أن الموالد من المعادن والنبات والحيوان مركبة من الطبائع الأربع والموالد لا تقبل الغذاء إلا منها وذلك لأن فيها نصيبا منها ولو رام أحد من الخلق على أن يجعل غذاء جسمه المركب من هذه الطبائع من شئ كائن عن غير هذه الطبائع أو ما تركب عنها لم يستطع فكما لا يمكن لشئ من الأجسام الطبيعية أن تقبل غذاء إلا من شئ هو من الطبائع التي هي منها كذلك لا يمكن لأحد أن يعلم شيئا ليس فيه مثله البتة ألا ترى النفس لا تقبل من العقل إلا ما تشاركه فيه وتشاكله وما لم تشاركه فيه لا تعلمه منه أبدا وليس من الله في أحد شئ ولا يجوز ذلك عليه بوجه من الوجوه فلا يعرفه أحد من نفسه وفكره قال رسول الله صلى الله وسلم إن الله احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم فأخبر ع بأن العقل لم يدركه بفكره ولا بعين بصيرته كما لم يدركه البصر وهذا هو الذي أشرنا إليه فيما تقدم من بابنا فلله الحمد على ما ألهم وأن علمنا ما لم نكن نعلم وكان فضل الله عظيما هكذا فليكن التنزيه ونفي المماثلة والتشبيه وما ضل من ضل من المشبهة إلا بالتأويل وحمل ما وردت به الآيات والأخبار على ما يسبق منها إلى الأفهام من غير نظر فيما يجب الله تعالى من التنزيه فقادهم ذلك إلى الجهل المحض والكفر الصراح ولو طلبوا السلامة وتركوا الأخبار والآيات على ما جاءت من غير عدول منهم فيها إلى شئ البتة ويكلون علم ذلك إلى الله تعالى ولرسوله ويقولون لا ندري وكان يكفيهم قول الله تعالى ليس كمثله شئ فمتى جاءهم حديث فيه تشبيه فقد أشبه الله شيئا وهو قد نفى الشبه عن نفسه سبحانه فما بقي إلا أن ذلك الخبر له وجه من وجوه التنزيه يعرفه الله تعالى وجئ به لفهم العربي الذي نزل القرآن بلسانه وما تجد لفظة في خبر ولا آية جملة واحدة تكون نصا في التشبيه أبدا وإنما تجدها عند العرب تحتمل وجوها منها ما يؤدي إلى التشبيه ومنها ما يؤدي إلى التنزيه فحمل المتأول ذلك اللفظ على الوجه الذي يؤدي إلى التشبيه جور منه على ذلك اللفظ إذ لم يوف حقه بما يعطيه وضعه في اللسان وتعد على الله تعالى حيث حمل عليه سبحانه ما لا يليق بالله تعالى ونحن نورد إن شاء الله تعالى بعض أحاديث وردت في التشبيه وإنها ليست بنص فيه فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم أجمعين فمن ذلك قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الله نظر العقل بما يقتضيه الوضع من الحقيقة والمجاز الجارحة تستحيل على الله تعالى الإصبع لفظ مشترك يطلق على الجارحة ويطلق على النعمة قال الراعي ضعيف العصا بادي العروق ترى له * عليها إذا ما أمحل الناس أصبعا يقول ترى له عليها أثرا حسنا من النعمة بحسن النظر عليها تقول العرب ما أحسن أصبع فلان على ما له أي أثره فيه تريد به نمو ما له لحسن تصرفه فيه أسرع التقليب ما قلبته الأصابع لصغر حجمها وكمال القدرة فيها فحركتها أسرع من حركة اليد وغيره ولما كان تقليب الله قلوب العباد أسرع شئ أفصح صلى الله عليه وسلم للعرب في دعائه بما تعقل ولأن التقليب لا يكون إلا باليد عندنا فلذلك جعل التقليب بالأصابع لأن الأصابع من اليد في اليد والسرعة في الأصابع أمكن فكان ع يقول في دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وتقليب الله تعالى القلوب هو ما يخلق فيها من الهم بالحسن والهم بالسوء فلما كان الإنسان يحس بترادف الخواطر المتعارضة عليه في قلبه الذي هو عبارة عن تقليب
(٩٥)