إلى إدراك هذا الوجه في كل ممكن فإذا رماه بالحصاة الثانية كما ذكرناه أخطر له السبب الذي يتوقف وجود الأركان عليه وهو الفلك فقال إن موجد هذه الأركان الفلك وصدقت فيما قتله فيرميه بالحصاة الثالثة وهي افتقار الفلك وهو الشكل إلى الله من الوجه الخاص كما ذكرنا فيصدقه في الافتقار ويقول له أنت غالط إنما كان افتقار الشكل إلى الجسم الذي لولاه ما ظهر الشكل فيرميه بالحصاة الرابعة وهو افتقار الجسم إلى الله من الوجه الخاص فيصدقه ويقول له صحيح ما قلت من الافتقار القائم ولكن إلى جوهر الهباء الذي تسميه أهل النظر الهيولى الكل الذي لم تظهر صورة الجسم إلا فيه فيرميه بالحصاة الخامسة وهو دليل افتقار الهباء إلى الله كما ذكرنا قبله فيقول بل افتقارها إلى النفس الكلية المعبر عنها في الشرع باللوح المحفوظ فيرميه بالحصاة السادسة وهو دليل افتقار النفس الكلية إلى الله من الوجه الخاص أيضا فيصدقه في الافتقار ولكن يقول له بل افتقارها إلى العقل الأول وهو القلم الأعلى الذي عنه انبعثت هذه النفس فيرميه بالحصاة السابعة وهو دليل افتقار العقل الأول إلى الله وليس وراء الله مرمى فما يجد ما يقول له بعد الله فلذلك ما يقف عند جمرة العقبة وهي آخر الجمرات لأنه كما قلنا وليس وراء الله مرمى فهذا تحرير رمى جمرات العارفين بمنى موضع التمني وبلوغ الأمنية فإنها أيام أكل وشرب وتمتع ونعيم فهي جنة معجلة وفيه إلقاء التفث والوسخ وإزالة الشعث من الحاج ومن قوة التمني الذي سمي به منى إنه يبلغ بصاحبه الذي هو معدوم مما تمناه مبلغ من عنده ما تمناه هذا المتمني بالفعل على أتم الوجوه مثل رب المال يفعل به أنواع الخير وينفقه في سبل البر ابتغاء فضل الله فيتمنى العديم أن لو كان له مثله ليفعل فعله فهما في الأجر سواء بل هو أتم فإنه يحصل له الأجر التام على أكمل وجوهه من غير سؤال فإن صاحب الفعل يسأل عنه من أين جمعه وهل أخلص في إخراجه وبعد هذا التعب والمشقة يحصل على أجره والمتمني يحصل على ذلك من غير سؤال ولا مشقة من بعد رمى الجمار يحلق رأسه أعني جمرة العقبة يوم النحر وإنما سميتها جمارا وإن كانت جمرة واحدة في ذلك اليوم فإن كل واحدة من الحصى بإضافتها إلى الأخرى تسمى جماعة فهي جمار بهذا النظر كما تقول إذا اجتمع جوهران كانا جسمين أي انطلق على كل واحد منهما باجتماعه مع الآخر جسم فهما جسمان بهذا النظر كما قال ومن كل شئ خلقنا زوجين وما خلق من كل شئ إلا زوجا واحدا ذكرا وأنثى مثلا فسماه زوجين بهذا الاعتبار الذي ذكرناه لأن كل واحد بالنظر إلى نفسه دون أن ينضم إليه هذا الآخر لا يكون زوجا فإذا ضم إليه آخر انطلق على كل واحد منهما اسم الزوج فقيل فيها زوجان ولما اعتبر الله هذا بالذكر لذلك قلنا نحن ثم بعد رمى الجمار فسمينا جمرة العقبة جمارا إذ كانت عدة حصيات فما في كلامنا حشو لأنه لا تكرار في الوجود للاتساع الإلهي فإذا رمى جمرة العقبة حلق رأسه وهو أولى من تقصير الشعر فإن الشعور بالأمر ما هو عين حصول العلم به على التمام من التفصيل وإنما يشعر العبد أن ثم أمرا ما فإذا حصله زال الشعور وكان علما تاما بتفصيل ما شعر به كمن يشعر بالتفصيل في المجمل قبل حصول العلم بتعيين تفصيله فإلقاء الشعور هو إزالة الشعور بوجود العلم لأن الشعر ستر على الرأس ثم يتطيب ليوجد منه رائحة ما انتقل إليه من تحليل ما كان حجر عليه كما تطيب لإحرامه حين أحرم ليوجد منه ريح ما انتقل إليه وجعله طيبا لأنه انتقال في الحالتين لخير مشروع مقرب إلى الله تعالى فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ليميز الله الخبيث من الطيب فجعل الطيب في الحالين تنبيها على طيب الأفعال ثم نحر أو ذبح قربانه ينوي بذلك تسريح روح هذا الحيوان من سجن هذا الهيكل الطبيعي المظلم إلى العالم الأعلى عالم الانفساح والخير فإن الحيوانات كلها عندنا ذات أرواح وعقول تعقل عن الله ولهذا قال فيها تعالى كل قد علم صلاته وتسبيحه فسرحنا أرواح هذه الحيوانات في هذا اليوم شكر الله كما خرجنا نحن فيه من حال التحجير وهو الإحرام الذي كنا عليه إلى الإحلال والتصرف في المباحات المقربة إلى الله بحكم الاختيار ثم أكلنا منها ليكون جزء منها عندنا لنشاهد ما هو عليه من الذكر المخصوص به ذوقا ولنجعله كالمساعد لنا فيما نرومه من الحركة في طاعة الله تعالى إذ لا بد من الغذاء فكان أخذ هذا النوع من الغذاء أولى ثم نزلنا إلى البيت زائرين ربنا تعالى ليرانا محلين كما يرانا محرمين على جهة الشكر له حيث سرح أعياننا وأباح لنا التصرف فيما كان حجره علينا فقبلنا يمينه على ذلك مبايعة وتحية ثم طفنا به سبعة أشواط وصلينا خلف مقام إبراهيم
(٧٢١)