إلا الحيعلتين فإنه نداء بأمر إلى عبادة معينة فمن راعى الجمع في عين الفرق جعل لهما أذانا واحدا وإقامتين ومن راعى الفرق بين الظهر والعصر جعل في الجمع حكم التفرقة فقال بأذانين وإقامتين ولهذا وقع الخلاف فقال قوم بأذانين وإقامتين وقال قوم بأذان واحد وإقامتين فمن راعى الصلاة جعله بعد الخطبة ومن راعى سماع الخطبة جعله قبل الخطبة ومن راعى كونه ذكر الله بصورة الأذان كالذي أمر أن يقول مثل ما يقول المؤذن على أنه ذاكر الله لا مؤذن فإن القائل مثل المؤذن لا يقال فيه إنه مؤذن إنما هو ذاكر بصفة الأذان فهذا يقول بالأذان في نفس الخطبة ويكتفي بقرينة حال قصد الناس عرفة في ذلك اليوم ليس لهم شغل إلا الاهتمام بالأفعال التي تلزمهم في ذلك اليوم فمنها استماع الخطبة والصلاة فأغنى عن الأذان الذي هو الإعلام إلا أن يقصد أعلاما بدخول وقت الصلاة لمن يجهل ذلك فيكون أذانا بذكر فإن الذكر في طريق الله لا يختض بالقول فقط بل تصرف العبد إذا رزق التوفيق في جميع حركاته لا يتحرك إلا في طاعة الله تعالى من واجب أو مندوب إليه ويسمى ذلك ذكر الله أي لذكره في ذلك الفعل أنه لله بطريق القربة سمي ذكرا قالت عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان يذكر الله على كل أحيانه فعمت جميع أحواله في يقظة ونوم وحركة وسكون تريد أنه ما تصرف ولا كان في حال من الأحوال إلا في أمر مقرب إلى الله لأنه جليس الذاكرين له فجميع الطاعات كلها من فعل وترك إذا فعلت أو تركت لإجل الله فذلك من ذكر الله أي الله ذكر فيها ومن أجله فعلت أو تركت على حكم ما شرع فيها وهذا هو ذكر الموفقين من العلماء بالله وأجمع العلماء على إن الإمام لو لم يخطب يوم عرفة قبل الصلاة إن صلاته جائزة بخلاف الجمعة فهذا فرق بين الجمعة وبين الصلاة في عرفة هذا هو ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإنما خطب قبل الصلاة كما أجمعوا على إن القراءة في هذه الصلاة سر لا جهر بخلاف الجمعة فالخطيب في هذا اليوم مذكر الحق في قلب العبد وواعظه وجوارحه كالجماعة الحاضرين سماع تلك الخطبة فهو يحرضهم على طاعة الله ويعرفهم أن الله ما دعاهم إلى هذا الموطن للوقوف بين يديه إلا تذكرة لقيام الناس يوم القيامة لرب العالمين ويعرفهم أن الله يأتيهم في هذا اليوم بخلاف إتيانه يوم القيامة فإن ذلك الإتيان إنما هو للفصل والقضاء وتميز الفرق بعضها من بعض بسيماهم واليوم إتيانه للواقفين في هذا الموطن إتيان بمغفرة ورحمة وفضل وإنعام ينال ذلك الفضل الإلهي في هذا اليوم من هو أهله يعني المحرمين بالحج ومن ليس من أهله ممن شاركهم في الوقوف والحضور في ذلك اليوم وليس بحاج فحكمهم كالجليس مع القوم الذين لا يشقى جليسهم قال تعالى للملائكة في أهل مجالس الذكر فيمن جاء لحاجة له لا للذكر إنهم القوم لا يشقى جليسهم فعمتهم مغفرة الله ورضوانه وضاعف الله للمحرمين من حيث إنهم أهل ذلك الموقف ما تستحقه الأهلية هذا كله وأمثاله يشعر العبد به نفسه كما ينبغي للخطيب أن بذكر الناس بمثل هذا الفضل الإلهي لتكون عبادتهم في ذلك اليوم شكر الله تعالى وينسون ما هم فيه من الشعث والتعب في جنب ما حصل لهم من الله ثم يقومون للصلاة بعد الفراغ من الخطبة فيصلون في ذلك الموطن صلاة من هو بعرفة في حال كونهم شعثا غبرا عرايا من المخيط حاسرين عن رؤوسهم واقفين على أقدامهم بين يدي رب عظيم فيصلون في ذلك اليوم جمعا صلاة العارفين كما قلنا صلاة العارفين لها خشوع * ومسكنة وذل وافتقار وفاعلها وحيد في شهود * عليه في شهادته اضطرار ولما كانت حالته في هذا اليوم خاصة به بينه وبين ربه في صلاته تعين عليه أن تكون قراءته سرا وهو الذكر النفسي إشعارا لتحققه بالحق في ذلك الموطن فإنه إذا ذكره في نفسه والقرآن ذكر ذكره الحق في نفسه من حيث لا يشعر العبد بأن الله ذكره فإن الله إذا ذكره في نفسه فذكره في حضرة أزلية لا حدوث فيها فكان للعبد بهذا الذكر قدم في الأزل حيث أحضره الحق في نفسه بالذكر فإنه إذا ذكره في ملأ فقد ذكره في حضرة حدوث والحدوث صفة العبد فما زاد منزلة بذلك إلا كونه ذكرا خاصا وموطن عرفة عظيم فكانت القراءة فيه في الصلاة نفسية لتحصل هذه المنزلة في ذلك اليوم
(٧١٣)