أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة فهذا ظهور حق في خلق وهو ظهور الشمس لا عينا في القمر ليالي إبداره وهي الليالي البيض وأيامها تسمى الأيام البيض لأن الليل من أوله إلى آخره لا يزال فيها منورا فجعل لياليها أياما لإزالة ظلمة الليل وطلوع الشمس بوساطة القمر مكملا فجعلها شهادة وكانت غيبا يستتر فيها كل شئ فصار يظهر فيها كل ما كان مستورا بظلمة الليل فالنهار وإن كان ولد الليل فهو من أعدائه لأنه ينفره أبدا قال تعالى إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم يا حذري من حذري * لو كان يغني حذري فالنهار ولد عاق لا يزال يطرد أباه ويهججه ليلا ونهارا على قدر ما يقدر عليه فظهور الشمس في مرآة القمر ظهور حق في خلق لأن النور اسم من أسماء الله تعالى فظهر باسمه النور في ظهور القمر قال تعالى وجعل القمر فيهن نورا فهو مجلي لنور الشمس وجعل الشمس سراجا فإن النور الحق هو سبحانه فإنه الممد بالنورية لكل منور والسراج نور ممدود بالدهن الذي يعطيه بقاء الإضاءة عليه ولهذا جعل الشمس سراجا وكذلك جعل نبيه صلى الله عليه وسلم سراجا منيرا لأنه يمده بنور الوحي الإلهي في دعائه إلى الله عباده ومن شرط من يدعي الإجابة إلى ذلك وجعله بإلى في قوله إلى الله وهو حرف غاية وهو انتهاء المطلوب فتضمنت حرف إلى أن المدعو لا بد أن يكون له سعى من نفسه إلى الله فإن مشى في الظلمة فإنه لا يبصر مواقع الهلكة في الطريق فتحول بينه وبين الوصول إلى الله الذي دعاه إليه بحفرة يقع فيها وبئر يتردى فيها أو شجرة أو حائط يضرب في وجهه فيصرفه عن مطلوبه أو الطريق الموصلة إليه يضل عنها لعدم التمييز في الطرق فإن هذه كلها كالشبه المضلة للإنسان في نظره إذا أراد القرب من الله بالعلم من حيث عقله وافتقر إلى نور يكشف به ما يصده عن مطلوبه ويحرمه الوصول إليه لما دعاه فجعل الحق شرعه سراجا منيرا يتبين لذلك المدعو بالسراج الطريق الموصلة إلى من دعاه إليه فقال تعالى يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه أي بأمره لم يكن ذلك من نفسك ولا من عقلك ونظرك وسراجا منيرا أي يظهر به للمدعو ما يمنعه من الوصول فيجتنبه على بصيرة كما قال أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني فجعل لنا سهما مما وصفه به الحق من صفة السراج المنير فهو نور ممدود بإمداد إلهي لا بإمداد عقلي ثم إن الحق سبحانه لما كان من أسمائه تعالى الدهر كما ورد في الصحيح لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر فأمر بتنزيه الزمان من حيث ما سمي دهر الكون الدهر اسما من أسماء الله تعالى فصار لفظ الدهر من الألفاظ المشتركة كما ننزه الحروف أعني حروف المعجم من حيث إنها كتب بها كلام الله تعالى وعظمناها فقال فأجره حتى يسمع كلام الله ونهانا أن نسافر بالمصحف إلى أرض العدو وما سمع السامع إلا أصواتا وحروفا فلما جعلها كلامه أوجب علينا تنزيهها وتقديسها وتعظيمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم مخبرا لنا أن صيام الأيام البيض صيام الدهر من باب الإشارة ما هو صيامكم فأضاف الصوم إلى الدهر وهو قوله تعالى الصوم لي ولما جعله صيام الدهر وأنت الصائم في هذه الأيام كان الدهر كمثل الشمس في ظهورها في القمر وكان القمر كالإنسان الصائم وكان نور القمر كالصوم المضاف إلى الإنسان إذا كان هو محل وهو مجلي الدهر تعالى فهو صوم حق في صورة خلق كما قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده فالقائل الله والسماع متعلق بلفظ العبد فهو نطق إلهي في خلق فهو قول الله في هذه الحال لا قول العبد فالسمع على الحقيقة إنما تعلق بكلام الله على لسان العبد الذي هو مجرى الحروف المقطعة فينبغي لنا صح نفسه أن يصوم الغرر من أول كل شهر على نية ما ذكرناه لك من الاعتبار ويصوم الأيام البيض على هذا الاعتبار الآخر وهو صوم النيابة عن الحق فلك جزاء الحق لا الجزاء الذي يليق بك وكل شئ له فما ثم من يقوم مقامه أن يكون جزاء له وكذلك هذا الصائم بهذا الحضور فإنه في عبادة لا مثل لها بنيابة إلهية ومجلى اسم إلهي يقال له الدهر فله كل شئ كما كان الدهر ظرف كل شئ فلا جزاء لهذا الصائم غير من تاب عنه إذا كان مجلاه ولهذا قال وأنا أجزي به معناه إنا جزاؤه بسبب كونه صائما بحق شهودي مشهود له ما هو للحق لا للعبد فقد عرفتك كيف تصوم الأيام البيض وما تحضره في نفسك عند ما تريد أن تشرع فيها وهي صفة كمال العبد في الأخذ عن الله كما كان القمر في هذه الأيام موصوفا بالكمال
(٦٤٢)