أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال صمتم يومكم هكذا قالوا لا قال فأتموا بقية يومكم واقضوه يعني يوم عاشوراء وإن كان هذا الحديث لم يلحقوه بالصحيح فراعى حرمة اليوم لما لله فيه من السر الذي يرفع فضله على عباده وظهر هنا فضل الإمساك عن الطعام والشراب وإن لم يكن صائما وهو الجوع الذي تشير إليه الصوفية في كلامها وفيه أقول أجوع ولا أصوم فإن نفسي * تنازعني على أجر الصيام فلو فنيت أجيرتها لقلنا * بإيجاب الصيام وبالقيام فإن العبد عبد الله ما لم * يكن في نفسه هدف لرامي ولما أمر بقضائه أكد تشبيهه برمضان لا بالنذر المعين إذا فات يومه فإنه لا يقضي وإن أمسك صاحبه بقية يومه إذا لم يبيت ولما أمرنا بصيامه وحرض في ذلك وكان قد أمرنا بمخالفة أهل الكتاب اليهود والنصارى وذلك فيما شرعوه لأنفسهم مما لم يأذن به الله وبدلوا وغيروا ولم يتميز عندنا ما شرعوه لأنفسهم مما شرع لهم نبيهم فلذلك أمرنا بمخالفتهم إلا فيما قرره النبي صلى الله عليه وسلم لنا مما كان شرعا لهم فعلمناه على القطع مثل رجم الثيب وإقامة الصلاة لمن تذكر بعد نسيانه فلما تعين علمنا به فإن الله تعالى يقول في الأنبياء أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وقال شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا الآية وقال عليه الصلاة والسلام نحن أولى بموسى منكم فكنى بنحن عن نفسه وأمته فكنا أولى بموسى من اليهود لأنهم لم يؤمنوا بكل ما أتى به موسى ولو آمنوا بكل ما أتى به موسى لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبكتابه ونحن أمرنا بالإيمان به وبما أنزل عليه ثم أخبر الحق عنا بذلك وخبره صدق فاستحال في أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤمن المؤمن منهم ببعض ويكفر ببعض فهذه عناية إلهية حيث أخبر بعصمتنا من ذلك فهي بشرى لنا قال تعالى آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ومما جاء به موسى صوم يوم عاشوراء فآمنا به وصمناه عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضا بخلاف عندنا كما صامه موسى فرضا ثم إن الله فرض علينا رمضان وخيرنا في صوم عاشوراء فنصومه من طريق الأولوية فنجمع بين أجر الفريضة فيه والنفل درجة زائدة على المؤمنين من قوم موسى عليه السلام ولما أمرنا صلى الله عليه وسلم بمخالفة اليهود أمرنا بأن نصوم يوما قبل عاشوراء وهو التاسع ويوما بعده وهو الحادي عشر فقال لنا صلى الله عليه وسلم صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا قبله يوما وبعده يوما ولم يقل خالفوا موسى فإن الله قد عصمنا من مخالفة الأنبياء بل أسقط الله عنا بعض شرائعهم كما أسقط عنا بعض ما شرعه لنا ونحن مؤمنون بكل ناسخ ومنسوخ في كل شرع ولا يلزم من الايمان وجود العمل إلا أن يكون العمل مأمورا به فبهذا القدر نخالف اليهود ولهذا توهم علماؤنا إن عاشوراء هو التاسع من المحرم لا غير وقد روينا في ذلك ما يؤيد ما قلناه من أنه اليوم العاشر وهو أنا روينا من حديث أبي أحمد بن عدي الجرجاني الذي رواه من حديث ابن حيي عن داود بن علي عن أبيه عن جده أن النبي عليه السلام قال لئن بقيت إلى قابل لأصومن يوما قبله ويوما بعده والحديث الثاني وهو ما رواه مسلم من حديث الحكم بن الأعرج قال انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه في زمزم فقلت له أخبرني عن صوم يوم عاشوراء فقال إذا رأيت يا هذا هلال المحرم فاعدد ثمانا وأصبح اليوم التاسع صائما قلت هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصومه قال نعم يعني لو عاش إلى العام القابل يؤيد ما قلناه ما رواه أيضا مسلم عن ابن عباس قال حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في العالم المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما صام التاسع على أنه عاشوراء لو صامه وصام يوم عاشوراء بتحقيق يوم العاشر من المحرم فلا ينبغي أن يقال التاسع هو عاشوراء مع وجود هذه الأخبار وقد ذكرنا حكمة يوم التاسع والعاشر في الاسم الأول والاسم الآخر في هذا الفصل وكذلك أيضا أقول في صيام اليوم الذي بعد عاشوراء حتى يعلم التناسب فيما أشرنا إليه من ذلك فنقول أيضا إنه ملحق بالاسم الأول كعاشوراء في العاشر فإن العاشر أول العقد والحادي عشر أول تركيب الأعداد
(٦٣٥)