هل فرضه الإصابة أو الاجتهاد أعني إصابة العين أو الجهة عند من أوجب العين فمن قائل إن الفرض هو العين ومن قائل إن الفرض هو الجهة وبالجهة أقول لا بالعين فإن في ذلك حرجا والله يقول وما جعل عليكم في الدين من حرج وأعني بالجهة إذا غابت الكعبة عن الأبصار والصف الطويل قد صحت صلاتهم مع القطع بأن الكل منهم ما استقبلوا العين هذا معقول الاعتبار التحديد في القبلة إخراج العبد عن اختياره فإن أصله وأصل كل ما سوى الله الاضطرار والإجبار حتى اختيار العبد هو مجبور في اختياره ومع أن الله فاعل مختار فإن ذلك من أجل قوله ويختار وقوله ولو شئنا ولا يفعل إلا ما سبق به علمه وتبدل العلم محال يقول تعالى ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد وقال فلله الحجة البالغة وما رأيت أحدا تفطن لهذا القول الإلهي فإن معناه في غاية البيان ولشدة وضوحه خفي وقد نبهنا عليه في هذا الكتاب وبيناه فإنه سر القدر من وقف على هذه المسألة لم يعترض على الله في كل ما يقضيه ويجريه على عباده وفيهم ومنهم ولهذا قال لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فلو كنت عاقلا تفهم عن الله كفتك هذه الآية في المقصود ثم نرجع إلى اعتبار ما كنا بصدده فنقول إن الصلاة دخول على الحق وجاء في الخبر الصحيح أن الصلاة نور والإنسان ذو بصر في باطنه كما هو في ظاهره فلا بد له من الكشف في صلاته فمن جملة ما يكشفه في صلاته كونه مجبورا في اختياره الذي ينسبه إليه فشرع له في هذا الموطن وفي العبادات كلها التحديد في الأشياء حتى يكون في تصرفاته بحكم الاضطرار وهو أصل يشمل كل موجود ولا أحاشي موجودا من موجود لمن كان ذا بصر حديد وألقى السمع وهو شهيد حتى في حكم المباح هو فيه غير مختار لأنه من المحال أن يحكم عليه بحكم غير الإباحة من وجوب أو ندب أو حظرا وكراهة فلهذا شرع له استقبال البيت إذا أبصره حين صلاته واستقبال جهته إذا غاب عنه وفرضه في اجتهاده بالغيبة إصابة الاجتهاد لا إصابة العين وذلك لو كان فرضه إصابة العين فإن العبد مأمور بأن يستقبل ربه بقلبه في صلاته بل في جميع حركاته وسكناته لا يرى إلا الله وقد علمنا إن ذات الحق وعينه يستحيل على المخلوق معرفتها فمن المحال استقبال عين ذاته بقلبه أي من المحال أن يعلم العاقل ربه من حيث عينه وإنما يعلمه من حيث جهة الممكن في افتقاره إليه وتميزه عنه بأنه لا يتصف بصفات المحدثات على الوجه الذي يتصف به المحدث الممكن لأنه ليس كمثله شئ فلا يعرفه إلا بالسلوب وهذا سبب قولنا بالجهة لا بالعين والإصابة إصابة الاجتهاد لا إصابة العين ولهذا كان المجتهد مأجورا على كل حال ولا سيما والاجتهاد في مذهبنا في الأصول كما هو في فروع الأحكام لا فرق وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجتهد إنه مصيب ومخطئ فمعناه عندنا في هذه المسألة وأمثالها أن المجتهد في الإصابة ما هي إصابة العين أو إصابة الجهة أن المصيب من قال إصابة الجهة والمخطئ من قال إصابة العين فإن إصابة الجهة في غير الغيم المتراكم ليلا أو نهارا في البراري لا يقع إلا بحكم الاتفاق فأحرى إصابة العين لا بحكم العلم وما تعبدنا الله بالإرصاد ولا بالهندسة المنبئة على الإرصاد المستنبط منها أطوال البلاد وعروضها فإنا بكل وجه إذا أخذنا نفوسنا بها على غير يقين فتبين إن الفرض على المكلف الاجتهاد لا الإصابة فلا إعادة على من صلى ولم يصب الجهة إذا تبين له ذلك بعد ما صلى كذلك الاعتبار في الباطن إذا وفى الناظر النظر حقه أصاب العجز عن الإدراك فاعتقده وما ثم إلا العجز فالحق عند اعتقاد كل معتقد بعد اجتهاده يقول تعالى ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فافهم كما هو عند ظن عبده به إلا أن المراتب تتفاضل والله أوسع وأجل وأعظم أن ينحصر في صفة تضبطه فيكون عند واحد من عباده ولا يكون عند الآخر يأبى الاتساع الإلهي ذلك فإن الله يقول وهو معكم أينما كنتم وأينما تولوا فثم وجه الله ووجه كل شئ حقيقته وذاته فإنه سبحانه لو كان عند واحد أو مع واحد ولا يكون عند آخر ولا معه كان الذي ليس هو عنده ولا معه يعبد وهمه لا ربه والله يقول وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه أي حكم ومن أجله عبدت الآلهة فلم يكن المقصود بعبادة كل عابد إلا الله فما عبد شئ لعينه إلا الله وإنما أخطأ المشرك حيث نصب لنفسه عبادة بطريق خاص لم يشرع له من جانب الحق فشقي لذلك فإنهم قالوا في الشركاء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله فاعترفوا به وما يتصور في العالم من أدنى من له مسكة من عقل التعطيل على الإطلاق وإنما معتقدو التعطيل إنما هو يعطل صفة ما اعتقدها المثبت فمن استقبل عين البيت إن كان يبصره أو الجهة إن غاب عنه بوجهه واستقبل ربه في قبلته كما شرع له في قلبه وحسه في
(٤٠٥)