يقول بتسبيح الحال فقد أكذب الله في قوله تعالى لا تفقهون وأما قوله تعالى ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه يعني خير إله ممن يعظم شعائر الله إذا جعلنا خير بمعنى أفعل من ليميز بين تعظيم الشعائر وتعظيم حرمات الله فإن حرمة الله ذاتية فهو يقتضي التعظيم لذاته بخلاف الأسباب المعظمة فإن الناظر في الدليل ما هو الدليل له مطلوب لذاته فينتقل عنه ويفارقه إلى مدلوله فلهذا العالم دليل على الله لأنا نعبر منه إليه تعالى ولا نبغي أن نتخذ الحق دليلا على العالم فكنا نجوز منه إلى العالم وهذا لا يصح فما أعلى كلام النبوة حيث قال من عرف نفسه عرف ربه وقال تعالى أفلا ينظرون إلى كذا وعدد المخلوقات لتتخذ أدلة عليه لا ليوقف معها فهذا الفرق بين حرمات الله وشعائر الله فنقول ثاني مرة الله أكبر تعظيما لحرمة الله لا بمعنى المفاضلة وذلك معروف في اللسان فمعناه الله الكبير لا أفعل من فهو الكبير واضع الأسباب وأمرنا بتعظيمها ومن لا عظمة له ذاتية لنفسه فعظمته عرض في حكم الزوال فالكبير على الإطلاق من غير تقييد ولا مفاضلة هو الله فهذه التكبيرة الثانية المشروعة في الأذان وأنها لهاتين الصورتين فإن ربع التكبير فيكون تثنية التكبيرة الواحدة على الحد الذي ذكرناه حسا وعقلا أي كما كبره اللسان بلفظ المفاضلة كذلك كبيرة عقلا كأنه يقول الله أكبر باللسان كما هو أكبر بالعقل أي هو أكبر بدليل الحسر ودليل العقل ثم يثني التكبيرة الأخرى أيضا حسا وعقلا فيقول الله أكبر أي هو الكبير لا بطريق المفاضلة حسا الله أكبر أي هو الكبير لا بطريق المفاضلة عقلا حرمة وشرعا فهذا مشهد من ربع التكبير في الأذان الذي هو الإعلام بالإعلان ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله خفيا يسمع نفسه وهو بمنزلة من يتصور الدليل أولا في نفسه ثم بعد ذلك يتلفظ به وينطق معلنا في مقابلة خصمه أو ليعلم غيره مساق ذلك الدليل وذلك أن يشهد هذا المؤذن في هذه الشهادة أنه يرى الأسباب المحجوبة عن المعرفة بالله التي أعطيت قوة النطق وحجبت عن إدراك الأمر في نفسه بالجهل أو عن إدراك ما ينبغي لجلال الله من إضافة الكل إليه بحجاب الغفلة فيقول الجاهل أنا ربكم الأعلى أو المستخف وهو ضرب من الجهل أو يقول ما علمت لكم من إله غيري وقد يمكن أن يكون كاذبا عند نفسه عالما بأنه كاذب لكنه استخف قومه فأطاعوه ويقول أنا أنعمت على فلان أنا وليت فلانا أنا علمت فلانا لعلم الذي عنده والقرآن ولولا أنا ما علم شيئا مما علمه وسمع الله يقول أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون وقال يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم وهي الأسباب التي وجدتم عندها ثم قال لمن يرى إنا وجدنا بالأسباب لا عندها فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون أنه أوجد الأسباب وأوجدكم عندها لا بها فيقول عند ذلك أشهد أن لا إله إلا الله أي لا خالق إلا الله فينفي ألوهية كل من ادعاها لنفسه من دون الله وأثبتها لمستحقها لو ادعاها مع الله كالمشرك فشهد بذلك لله عقلا وشرعا وحسا ومعنى هذا كله مع نفسه كمتصور الدليل أولا ثم يرفع بها صوته ليسمع غيره من متعلم ومدع وجاهل وغافل عن قوله تعالى الرحمن علم القرآن وأمثاله مثل خلق الإنسان علمه البيان فقطع حكم لأسباب فهذا معنى الشهادة وتثنيتها وتربيعها وكذلك قوله أشهد أن محمدا رسول الله وهو أنه لما تشهد بالتوحيد بما أعطاه الدليل شهد به علما لا على طريق القربة لأن الإنسان من حيث عقله لا يعلم أن التلفظ بذلك وأن النظر في معرفة ذلك يقرب من الله وإنما حظه أن يعلم أن نفسه تشرف بصفة العلم على من يجهل ذلك وأن التصريح به وبكل دليل على مثل هذا العلم على جهة تعليم من لا يعلم وإرداع المعاند تشريفا لهذا النفس على نفس من ليس له ذلك لأنه لا حكم للعقل في اتخاذ شئ قربة إلى الله فجاء الرسول من عند الله فأخبره أن يقول ذلك وأن ينظر في ذلك أن يخفيه في نفسه ويسره وفي التعليم والإرداع للغير إذا أعلن به أن يكون ذلك على طريق القربة إلى الله فيكون مع كونه علما عبادة فيقول العالم المؤمن إذا أذن أو قال مثل ما يقول المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله علما وعبادة ويقولها العامي تقليدا وتعبدا والتثنية في هذه الشهادة الرسالية والتربيع والحكم فيها على حكم شهادة التوحيد سواء في المراتب التي ذكرناها سواء فإن ثلث كأذان البصريين الأربع الكلمات على نسق واحد في كل مرة فهو أن يقولها في المرة الأولى علما وفي المرة الثانية تعليما لأنه معلن وفي المرة الثالثة عبادة فهي كلها علم وتعليم وعبادة فافهم وما خالف البصريون الكوفيين والحجازيين والمدنيين
(٣٩٩)