الشمس إلى الظهر ربع اليوم ست ساعات وليس بمحل لصلاة مفروضة بحكم التعيين وإنما قلنا بحكم التعيين من أجل الناسي والنائم فإن الوقت ما عين إيقاع الصلاة في ذلك الوقت وإنما عينه للناسي تذكره وللنائم تيقظه شرعا فسواء كان في ذلك الوقت أو في غيره فلهذا حررنا القول في ذلك وقلبا بحكم التعيين فإن مذهبي في كل ما أورده إني لا أقصد لفظة بعينها دون غيرها مما يدل على معناها إلا لمعنى ولا أزيد حرفا إلا لمعنى فما في كلامي بالنظر إلى قصدي حشو وإن تخيله الناظر فالغلط عنده في قصدي لا عندي وكان من زوال الشمس إلى طلوعها من اليوم الثاني وقتا مستصحبا لصلوات معينة مفروضة فيها متى وقعت وقعت في وقتها المعين لها كذلك الإنسان مقسم على أربعة أرباع الثلاثة الأرباع منه متعبدة لله بأعمال مخصوصة كالثلاثة الأرباع من اليوم فأرباع الإنسان ظاهره وباطنه الذي هو قلبه ولطيفته التي هي روحه المخاطب منه وطبيعته فظاهره وقلبه وروحه لا ينفك عن عبادة أصلا تتعلق به فأما أن يطيع وإما أن يعصي والربع الواحد طبيعته وهو مثل زمان طلوع الشمس إلى الزوال من اليوم فهو يتصرف بطبعه مباحا له ذلك لا حرج عليه إلا إن شاه أن يلحقها بسائر أرباعه في العبادات فيعمل المباح له عمله من كونه مباحا شرعا ويحضر مع الايمان به كالمصلي من طلوع الشمس وإضاءتها إلى أول الزوال أعني الاستواء فلا يمنع من ذلك وهو ليس بوقت وجوب لشئ من الصلوات الخمس معين فافهم وأما اعتبار الوقت المرغب فيه على ما ذكرناه من الاختلاف واتفق الكل على الأولية أو الأكثر واختلفوا في الأحوال فاعلم إن الأول أفضل الأشياء وأعلاها لأنه لا يكون عن شئ بل تكون الأشياء عنه فلو كان عن شئ لم تصح له الأولية على الإطلاق فكذلك العبد يسعى في أن يعبد ربه من حيث أولية ربه لا من حيث أولية عينه فإن أولية عينه عن أوليات كثيرة قبله وأعني بذلك الأسباب فهو سبحانه السبب الأول الذي لا سبب لأوليته فإذا عبده العارف في تلك الأولية المنزهة عن إن يتقدمها أولية انسحبت عبادة هذا العارف من هناك على عبادة كل مخلوق خلقه الله من أول المخلوقات إلى حين وجوده وهي الأولية المؤثرة في إيجاد الكائنات فقد عبده في الوقت المرغب فيه سواء عبده بصفة خاصة من أعضائه المكلفة كصلاة الفذ المنفرد أو عبده بجميع أعضائه كصلاة الجماعة أو في زمان الحر أي في شدة خوفه ومجاهدته وحرقة اشتياقه ووجده وولهه وكلفه أو في برد أي في حال علمه وثلج يقينه وبرده على أي حالة كان فالأولية أفضل له فإن الله يقول آمرا سارعوا وسابقوا وأثنى على من هذه حالته فقال أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون فالمبادرة إلى أول الأوقات في العبادات هو الأحوط والمطلوب من العباد في حال التكليف ولهذا الاحتراز والاحتياط يحمل الأمر الإلهي إذا ورد معرى عن قرائن الأحوال التي يفهم منها الندب أو الإباحة على الوجوب ويحمل النهي كذلك على الحظر إذا تعرى عن قرينة حال تعطيك الكراهة ولا تتوقف عن حمل الأمر والنهي على ما قلناه إلا بقرينة حال تخرجهما عن حكم الوجوب في الأمر وحكم الحظر في النهي فقد بان لك يا أخي اعتبار الأوقات مطلقا واعتبار الوقت المرغب فيه بعد أن عرفناك بمذاهب علماء الشريعة فيه للجمع بين العبادتين الظاهرة في حسك والباطنة في عقلك فتكون من أهل الجمع والوجود فإنك إذا طلبت الطريق إلى الله من حيث ما شرعه الله كان الحق الذي هو المشرع غايتك وإذا طلبته من حيث ما تعطيه نفسك من الصفاء والالتحاق بعالمها من التنزه عن الحكم الطبيعي عليها كان غايتها الالتحاق بعالم الروحاني خاصة ومن هناك تنشأ لها شرائع الأرواح تسلك عليها وبها حتى يكون الحق غايتها هذا إن فسح الله له في الأجل وإن مات فلن يدرك ذلك أبدا وقد أفردنا لهذه الطريقة خلوة مطلقة غير مقيدة في جزء يعمل عليها المؤمن فيزيد إيمانا ويعمل بها وعليها غير المؤمن من كافر ومعطل ومشرك ومنافق فإذا وفي العمل عليها وبها كما شرطناه وقررناه فإنه يحصل له العلم بما هو الأمر عليه في نفسه ويكون ذلك سبب إيمانه بوجود الله إن كان معطلا وبتوحيد الله إن كان مشركا وبحصول إيمانه إن كان كافرا وبإخلاصه إن كان منافقا أو مرتابا فمن دخل تلك الخلوة وعمل بتلك الشرائط كما قررنا أثمرت له ما ذكرناه وما سبقني إليها أحد في علمي إلا إن كان وما وصل إلي فإن الله لا تحجير عليه يؤتي الحكمة من يشاء فإني أعلم أن أحدا من أهل الطريق ما يجهلها إن كان صاحب كشف تام ولكن ما ذكروها ولا رأيت أحدا منهم نبه عليها إلا الخلوات المقيدة ولولا ما سألني فيها أخونا وولينا أبو العباس أحمد بن علي
(٣٩١)