المرض لا تقبله النفوس بخلاف الموت فإن الفضلاء من العقلاء العارفين يطلبون الموت للتخلص من هذا الحبس وتطلبه الأنبياء للقاء الله الذي يتضمنه وكذلك أهل الله ولذلك ما خير نبي في الموت إلا اختاره لأن فيه لقاء الله فهو نعمة منه عليه ومنة والمرض شغل شاغل عن أداء ما أوجب الله على العبد أداءه من حقوق الله لإحساسه بالألم وهو في محل التكليف وما يحس بالألم إلا الروح الحيواني فيشغل الروح المدبر لجسده عما دعي إليه في هذه الدنيا فلهذا أضاف المرض إليه والشفاء والموت للحق كما فعل صاحب موسى عليه السلام في إضافة خرق السفينة إليه إذ جعل خرقها عيبا وأضاف قتل الغلام إليه وإلى ربه لما فيه من الرحمة بابويه وما ساءهما من ذلك أضافه إليه وأضاف إقامة الجدار إلى ربه لما فيه من الصلاح والخير فقال تعالى عن عبده خضر في خرق السفينة فأردت أن أعيبها تنزيها أن يضيف إلى الجناب العالي ما ظاهره ذم في العرف والعادة وقال في إقامة الجدار لما جعل إقامته رحمة باليتيمين لما يصيبانه من الخير الذي هو الكنز فأراد ربك يخبر موسى عليه السلام أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وقال لموسى في حق الغلام إنه طبع كافرا والكفر صفة مذمومة قال تعالى ولا يرضى لعباده الكفر وأراد أن يخبره بأن الله يبدل أبويه خيرا منه زكاة وأقرب رحما فأراد أن يضيف ما كان في المسألة من العيب في نظر موسى ع حيث جعله نكرا من المنكر وجعله نفسا زاكية قتلت بغير نفس قال فأردنا أن يبدلهما ربهما فأتى بنون الجمع فإن في قتله أمرين أمر يؤدي إلى الخير وأمر إلى غير ذلك في نظر موسى وفي مستقر العادة فما كان من خير في هذا الفعل فهو لله من حيث ضمير النون وما كان فيه من نكر في ظاهر الأمر وفي نظر موسى عليه السلام في ذلك الوقت كان للخضر من حيث ضمير النون فنون الجمع لها وجهان لما فيها من الجمع وجه إلى الخير به أضاف الأمر إلى الله ووجه إلى العيب به أضاف العيب إلى نفسه وجاء بهذه المسألة والواقعة في الوسط لا في الطرف بين السفينة والجدار ليكون ما فيها من عيب من جهة السفينة وما فيها من خير من جهة الجدار فلو كانت مسألة الغلام في الطرف ابتداء أو انتهاء لم تعط الحكمة أن يكون كل وجه مخلصا من غير أن يشوبه شئ من الخير أو ضده فلو كان أولا وكانت السفينة وسط لم يصل ما في مسألة الغلام من الخير الذي له ولأبويه حتى يمر على حضرة مصيبة ظاهرا وهي السفينة وحينئذ يتصل بالخير الذي في الجدار ولو كان الجدار وسطا وتأخر حديث الغلام لم يصل عيب السفينة إلى الاتصال بعيب الغلام حتى يمر بخير ما في الجدار فيمر بغير المناسب ومن شأن الحضرات أن تقلب أعيان الأشياء أعني صفاتها إذا مرت بها فكانت مسألة الغلام وسطا فيلي وجه العيب جهة السفينة ويلي جهة الخير جهة الجدار واستقامت الحكمة فإن قلت فلم جمع بين الله وبين نفسه في ضمير النون أعني نون فأردنا وقال صلى الله عليه وسلم لما سمع بعض الخطباء وقد جمع بين الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ضمير واحد في قوله ومن يعصهما بئس الخطيب أنت فاعلم أنه من الباب الذي قررناه وهو أنه لا يضاف إلى الحق إلا ما أضافه الحق إلى نفسه أو أمر به رسوله أو من آتاه علما من لدنه كالخضر المنصوص عليه فهذا من ذلك الباب فلما كان هذا الخطيب عريا من العلم اللدني ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم إليه في إباحة مثل هذا لهذا ذمه وقال بئس الخطيب أنت فإنه كان ينبغي له أن لا يجمع بين الحق والخلق في ضمير واحد إلا بإذن إلهي من رسول أو علم لدني ولم يكن واحد من هذين الأمرين عنده فلهذا ذمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رويناه عنه في خطبة خطبها فذكر الله تعالى فيها وذكر نفسه صلى الله عليه وسلم ثم جمع بين ربه تعالى وبين نفسه فيها في ضمير واحد فقال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا وما ينطق صلى الله عليه وسلم عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وكذا قال الخضر وما فعلته عن أمري يعني جميع ما فعله من الأعمال وجميع ما قال من الأقوال في العبارة لموسى عليه السلام عن ذلك فافهم فبهذا قد أبنت لك عن أصولهم ما فيه كفاية فالركبان هم المرادون المجذوبون المصونة أسرارهم في البيض فلا يتخللها هواء مثل القاصرات الطرف من الحور المقصورات في الخيام كأنهن بيض مكنون ومن صفاتهم أنهم لا يكشفون وجوههم عند النوم ولا ينامون إلا على ظهورهم لهم التلقي لا يتحركون إلا عن أمر إلهي ولا يسكنون إلا كذلك بإرادة إرادتهم ما يراد بهم ولما كان السكون أمرا عدميا لذلك
(٢٠٥)