وهذا ممنوع في حق الحق لأن ذاته غير مركبة من أمر يقع فيه الاشتراك فيكون به في الجنس وأمر يقع به الامتياز وما ثم إلا الله والخلق ولا مناسبة بين الله والعالم ولا الصانع والمصنوع فلا مشاركة فلا جنس فلا فصل والذي أجاز ذلك عقلا ومنعه شرعا قال لا أقول إن الحد مركب من جنس وفصل بل أقول إن السؤال بما يطلب به العلم بحقيقة المسؤول عنه ولا بد لكل معلوم أو مذكور من حقيقة يكون في نفسه عليها سواء كان على حقيقة يقع له فيها الاشتراك أو يكون على حقيقة لا يقع له فيها الاشتراك فالسؤال بما يتصور ولكن ما ورد به الشرع فمنعنا من السؤال به عن الحق لقوله تعالى ليس كمثله شئ وأما منعهم الكيفية وهو السؤال بكيف فانقسموا أيضا قسمين فمن قائل بأنه سبحانه ما له كيفية لأن الحال أمر معقول زائد على كونه ذاتا وإذا قام بذاته أمر وجودي زائد على ذاته أدى إلى وجود واجبي الوجود لذاتهما أزلا وقد قام الدليل على إحالة ذلك وإنه لا واجب إلا هو لذاته فاستحالت الكيفية عقلا ومن قائل إن له كيفية ولكن لا نعلم فهي ممنوعة شرعا لا عقلا لأنها خارجة عن الكيفيات المعقولة عندنا فلا تعلم وقد قال ليس كمثله شئ يعني في كل ما ينسب إليه مما نسبه إلى نفسه يقول هو على ما تنسبه إلى الحق وإن وقع الاشتراك في اللفظ فالمعنى مختلف وأما السؤال بلم فممنوع أيضا لأن أفعال الله تعالى لا تعلل لأن العلة موجبة للفعل فيكون الحق داخلا تحت موجب أوجب عليه هذا الفعل زائد على ذاته وأبطل غيره إطلاق لم على فعله شرعا بأن قال لا ينسب إليه ما لم ينسب إلى نفسه فهذا معنى قولي شرعا لا أنه ورد النهي من الله عن كل ما ذكرنا منعه شرعا وهذا كله كلام مدخول لا يقع التخليص منه بالصحة والفساد إلا بعد طول عظيم هذا قد ذكرنا طريقة من منع وأما من أجاز السؤال عنه بهذه المطالب من العلماء فهم أهل الشرع منهم وسبب إجازتهم لذلك إن قالوا ما حجر الشرع علينا حجرناه وما أوجب علينا أن نخوض فيه خضنا فيه طاعة أيضا وما لم يرد فيه تحجير ولا وجوب فهو عافية إن شئنا تكلمنا فيه وإن شئنا سكتنا عنه وهو سبحانه ما نهى فرعون على لسان موسى عليه السلام عن سؤاله بقوله وما رب العالمين بل أجاب بما يليق به الجواب عن ذاك الجناب العالي وإن كان وقع الجواب غير مطابق للسؤال فذلك راجع لاصطلاح من اصطلح على أنه لا يسأل بذلك إلا عن الماهية المركبة واصطلح على إن الجواب بالأثر لا يكون جوابا لمن سأل بما وهذا الاصطلاح لا يلزم الخصم فلم يمنع إطلاق هذا السؤال بهذه الصيغة عليه إذ كانت الألفاظ لا تطلب لأنفسها وإنما تطلب لما تدل عليه من المعاني التي وضعت لها فإنها بحكم الوضع وما كل طائفة وضعتها بإزاء ما وضعتها الأخرى فيكون الخلاف في عبارة لا في حقيقة ولا يعتبر الخلاف إلا في المعاني وأما إجازتهم الكيفية فمثل إجازتهم السؤال بما ويحتجون في ذلك بقوله تعالى سنفرغ لكم أيها الثقلان وقوله إن لله عينا وأعينا ويدا وإن بيده الميزان يخفض ويرفع وهذه كلها كيفيات وإن كانت مجهولة لعدم الشبه في ذلك وأما إجازتهم السؤال بلم وهو سؤال عن العلة فلقوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فهذه لام العلة والسبب فإن ذلك في جواب من سأل لم خلق الله الجن والإنس فقال الله لهذا السائل ليعبدون أي لعبادتي فمن ادعى التحجير في إطلاق هذه العبارات فعليه بالدليل فيقال للجميع من المتشرعين المجوزين والمانعين كلكم قال وما أصاب وما من شئ قلتموه من منع وجواز إلا وعليكم فيه دخل والأولى التوقف عن الحكم بالمنع أو بالجواز هذا مع المتشرعين وأما غير المتشرعين من الحكماء فالخوض معهم في ذلك لا يجوز إلا إن أباح الشرع ذلك أو أوجبه وأما إن لم يرد في الخوض فيه معهم نطق من الشارع فلا سبيل إلى الخوض فيه معهم فعلا ويتوقف في الحكم في ذلك فلا يحكم على من خاض فيه أنه مصيب ولا مخطئ وكذلك فيمن ترك الخوض إذ لا حكم إلا للشرع فيما يجوز أن يتلفظ به أو لا يتلفظ به يكون ذلك طاعة أو غير طاعة فهذا يا ولي قد فصلنا لك مآخذ الناس في هذه المطالب وأما العلم النافع في ذلك أن نقول كما أنه سبحانه لا يشبه شيئا كذلك لا تشبهه الأشياء وقد قام الدليل العقلي والشرعي على نفي التشبيه وإثبات التنزيه من طريق المعنى وما بقي الأمر إلا في إطلاق اللفظ عليه سبحانه الذي أباح لنا إطلاقه عليه في القرآن أو على لسان رسوله فأما إطلاقه عليه فلا يخلو إما أن يكون العبد مأمورا بذلك الإطلاق فيكون إطلاقه طاعة فرضا ويكون المتلفظ به مأجورا مطيعا مثل قوله في تكبيرة الإحرام الله أكبر وهي لفظة وزنها يقتضي المفاضلة وهو سبحانه
(١٩٤)