الله وغيرة له والغيرة لله من الايمان وأمثال هذا ولا يسكن ولا ينظر هل ذلك من قبيل الإمكان أم لا أعني أن يكون الله قد عرف وليا من أوليائه بما يجريه في خلقه كالخضر ويعلمه علوما من لدنه تكون العبارة عنها بهذه الصيغ التي ينطق بها الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الخضر وما فعلته عن أمري وآمن هذا المنكر بها على زعمه إذ جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لو كان مؤمنا بها ما أنكرها على هذا الولي لأن الشارع ما أنكر إطلاقها في جناب الحق من استواء ونزول ومعية وضحك وفرح وتبشبش وتعجب وأمثال ذلك وما ورد عنه صلى الله عليه وسلم قط أنه حجرها على أحد من عباد الله بل أخبر عن الله أنه يقول لنا لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ففتح لنا وندبنا إلى التأسي به صلى الله عليه وسلم وقال فاتبعوني يحببكم الله وهذا من اتباعه والتأسي به فمن التأسي به إذا ورد علينا من الحق سبحانه وارد حق فعلمنا من لدنه علما فيه رحمة حبانا الله بها وعناية حيث كنا في ذلك على بينة من ربنا ويتلوها شاهد منا وهو اتباعنا سنته وما شرع لنا لم نخل بشئ منها ولا ارتكبنا مخالفة بتحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل فنطلب لذلك المعلوم الذي علمناه من جانب الحق أمثال هذه العبارات النبوية لنفصح بها عن ذلك ولا سيما إذا سألنا عن شئ من ذلك لأن الله أخبر عمن هذه صفته أنه يدعو إلى الله على بصيرة فمن التأسي المأمور به برسول الله صلى الله عليه وسلم أن نطلق على تلك المعاني هذه الألفاظ النبوية إذ لو كان في العبارة عنها ما هو أفصح منها لا طلقها صلى الله عليه وسلم فإنه المأمور بتبيين ما أنزل به علينا ولا نعدل إلى غيرها لما نريده من البيان مع التحقق بليس كمثله شئ فإنا إذا عدلنا إلى عبارة غيرها ادعينا بذلك أنا أعلم بحق الله وأنزه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أسوأ ما يكون من الأدب ثم إن المعنى لا بد أن يختل عند السامع إذ كان ذلك اللفظ الذي خالفت به لفظ من كان أفصح الناس وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن لا يدل على ذلك المعنى بحكم المطابقة فشرع لنا التأسي وغاب هذا المنكر المكفر من أتى بمثل هذا عن النظر في هذا كله وذلك لأمرين أو لأحدهما إن كان عالما فلحسد قام به قال تعالى حسدا من عند أنفسهم وإن كان جاهلا فهو بالنبوة أجهل يا ولي لقينا من أقطاب هذا المقام بجبل أبي قبيس بمكة في يوم واحد ما يزيد على السبعين رجلا وليس لهذه الطبقة تلميذ في طريقهم أصلا ولا يسلكون أحدا بطريق التربية لكن لهم الوصية والنصيحة ونشر العلم فمن وفق أخذ به ويقال إن أبا السعود بن الشبل كان منهم وما لقيته ولا رأيته ولكن شممت له رائحة طيبة ونفسا عطريا وبلغني أن عبد القادر الجيلي وكان عدلا قطب وقته شهد لمحمد بن قائد الأواني بهذا المقام كذا نقل إلي والعهدة على الناقل فإن ابن قائد زعم أنه ما رأى هناك أمامه سوى قدم نبيه وهذا لا يكون إلا لأفراد الوقت فإن لم يكن من الأفراد فلا بد أن يرى قدم قطب وقته أمامه زائدا على قدم نبيه إن كان إماما وإن كان وتدا فيرى أمامه ثلاثة أقدام وإن كان بدلا يرى أربعة قدام وهكذا إلا أنه لا بد أن يكون في حضرة الاتباع مقاما فإذا لم يقم في حضرات الاتباع وعدل به عن يمين الطريق بين المخدع وبين الطريق فإنه لا يبصر قدما أمامه وذلك هو طريق الوجه الخاص الذي من الحق إلى كل موجود ومن ذلك الوجه الخاص تنكشف للأولياء هذه العلوم التي تنكر عليهم ويزندقون بها ويزندقهم بها ويكفرهم من يؤمن بها إذا جاءته عن الرسل وهي العلوم عينها وهي التي ذكرناها آنفا ولأصحاب هذا المقام التصريف والتصرف في العالم فالطبقة الأولى من هؤلاء تركت التصرف لله في خلقه مع التمكن وتولية الحق لهم إياه تمكنا لا أمرا لكن عرضا فلبسوا الستر ودخلوا في سرادقات الغيب واستتر وبحجب العوائد ولزموا العبودة والافتقار وهم الفتيان الظرفاء الملامتية الأخفياء الأبرياء وكان أبو السعود منهم كان رحمه الله ممن امتثل أمر الله في قوله تعالى فاتخذه وكيلا فالوكيل له التصرف فلو أمر امتثل الأمر هذا من شأنهم وأما عبد القادر فالظاهر من حاله إنه كان مأمورا بالتصرف فلهذا ظهر عليه هذا هو الظن بأمثاله وأما محمد الأواني فكان يذكر إن الله أعطاه التصرف فقبله فكان يتصرف ولم يكن مأمورا فابتلي فنقصه من المعرفة القدر الذي علا أبو السعود به عليه فنطق أبو السعود بلسان الطبقة الأولى من طائفة الركبان وسميناهم أقطابا لثبوتهم ولأن هذا المقام أعني مقام العبودة يدور عليهم لم أرد بقطبيتهم أن لهم جماعة تحت أمرهم يكونون رؤساء عليهم وأقطابا لهم هم أجل من ذلك وأعلى فلا رياسة أصلا لهم في نفوسهم لتحققهم بعبوديتهم
(٢٠١)