فإن الاستفعال أشد في المبالغة من الأفعال وأين الاستخراج من الإخراج ولهذا يطلب الكون من الله العون في أفعاله ويستحيل على الله أن يستعين بمخلوق قال تعالى تعليما لنا أن نقول وإياك نستعين من هذا الباب فلهذا قال في هذا الباب صل فقد نويت وصالك فقد قدم الإرادة منه لذلك فقال صل فإذا تعملت في الوصلة فذلك عين وصلته بك فلذلك جعلها نية لا عملا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا وهذا قرب مخصوص يرجع إلى ما تتقرب إليه سبحانه به من الأعمال والأحوال فإن القرب العام قوله تعالى ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فضاعف القرب بالذراع فإن الذراع ضعف للبشر أي قوله صل هو قرب ثم تقريب إليه شبرا فتبدي لك إنك ما تقربت إليه إلا به لأنه لولا ما دعاك وبين لك طريق القربة وأخذ بناصيتك فيها ما تمكن لك أن تعرف الطريق التي تقرب منه ما هي ولو عرفنها لم يكن لك حول ولا قوة إلا به ولما كان القرب بالسلوك والسفر إليه لذلك كان من صفته النور لنهتدي به في الطريق كما قال تعالى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر وهو السلوك الظاهر بالأعمال البدنية والبحر وهو السلوك الباطن المعنوي بالأعمال النفسية فأصحاب هذا الباب معارفهم مكتسبة لا موهوبة وأكلهم من تحت أقدامهم أي من كسبهم لها واجتهادهم في تحصيلها ولولا ما أرادهم الحق لذلك ما وفقهم ولا استعملهم حين طرد غيرهم بالمعنى ودعاهم بالأمر فحرمهم الوصول بحرمانه إياهم استعمال الأسباب التي جعلها طريقا إلى الوصول من حضرة القرب ولذلك بشرهم فقال صل فقد نويت وصالك فسبقت لهم العناية فسلكوا وهم الذين أمرهم الله بلباس النعلين في الصلاة إذ كان القاعد لا يلبس النعلين وإنما وضعت للماشي فيها فدل إن المصلي يمشي في صلاته ومناجاة ربه في الآيات التي يناجيه فيها منزلا منزلا كل آية منزل وحال فقال لهم يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد قال الصاحب لما نزلت هذه الآية أمرنا فيها بالصلاة في النعلين فكان ذلك تنبيها من الله تعالى للمصلي أنه يمشي على منازل ما يتلوه في صلاته من سور القرآن إذ كانت السور هي المنازل لغة قال النابغة ألم تر أن الله أعطاك سورة * ترى كل ملك دونها يتذبذب أراد منزلة وقيل لموسى ع اخلع نعليك أي قد وصلت المنزل فإنه كلمة الله بغير واسطة بكلامه سبحانه بلا ترجمان ولذلك أكده في التعريف لنا بالمصدر فقال تعالى وكلم الله موسى تكليما ومن وصل إلى المنزل خلع نعليه فبانت رتبة المصلي بالنعلين وما معنى المناجاة في الصلاة وإنها ليست بمعنى الكلام الذي حصل لموسى ع فإنه قال في المصلي يناجي والمناجاة فعل فاعلين فلا بد من لباس النعلين إذ كان المصلي مترددا بين حقيقتين والتردد بين أمرين يعطي المشي بينهما بالمعنى دل عليه باللفظ لباس النعلين ودل عليه قول الله تعالى بترجمة النبي صلى الله عليه وسلم عنه قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل ثم قال يقول العبد الحمد لله رب العالمين فوصفه إن العبد مع نفسه في قوله الحمد لله رب العالمين يسمع خالقه ومناجيه ثم يرحل العبد من منزل قوله إلى منزل سمعه ليسمع ما يجيبه الحق تعالى على قوله وهذا هو السفر فلهذا لبس نعليه ليسلك بهما الطريق الذي بين هذين المنزلين فإذا رحل إلى منزل سمعه سمع الحق يقول له حمدني عبدي فيرحل من منزل سمعه إلى منزل قوله فيقول الرحمن الرحيم فإذا فرع رحل إلى منزل سمعه فإذا نزل سمع الحق تعالى يقول له أثنى على عبدي فلا يزال مترددا في مناجاته قولا ثم له رحلة أخرى من حال قيامه في الصلاة إلى حال ركوعه فيرحل من صفة القيومية إلى صفة العظمة فيقول سبحان ربي العظيم وبحمده ثم يرفع وهو رحلته من مقام التعظيم إلى مقام النيابة فيقول سمع الله لمن حمده قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد فلهذا جعلنا الرفع من الركوع نيابة عن الحق ورجوعا إلى القيومية فإذا سجد اندرجت العظمة في الرفعة الإلهية فيقول الساجد سبحان ربي الأعلى وبحمده فإن السجود يناقض العلو فإذا خلص العلو لله ثم رفع رأسه من السجود واستوى جالسا وهو قوله الرحمن على العرش استوى فيقول رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني واجبرني وعافني واعف عني فهذه كلها
(١٩٢)