رجل من شيوخنا وهو علي بن عبد الله بن جامع من أصحاب علي المتوكل وأبي عبد الله قضيب ألبان كان يسكن بالمقلى خارج الموصل في بستان له وكان الخضر قد ألبسه الخرقة بحضور قضيب ألبان وألبسنيها الشيخ بالموضع الذي ألبسه فيه الخضر من بستانه وبصورة الحال التي جرت له معه في إلباسه إياها وقد كنت لبست خرقة الخضر بطريق أبعد من هذا من يد صاحبنا تقي الدين عبد الرحمن بن علي بن ميمون بن أب التوزري ولبسها هو من يد صدر الدين شيخ الشيوخ بالديار المصرية وهو ابن حمويه وكان جده قد لبسها من يد الخضر ومن ذلك الوقت قلت بلباس الخرقة وألبستها الناس لما رأيت الخضر قد اعتبرها وكنت قبل ذلك لا أقول بالخرقة المعروفة الآن فإن الخرقة عندنا إنما هي عبارة عن الصحبة والأدب والتخلق ولهذا لا يوجد لباسها متصلا برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن توجد صحبة وأدبا وهو المعبر عنه بلباس التقوى فجرت عادة أصحاب الأحوال إذا رأوا أحدا من أصحابهم عنده نقص في أمر ما وأرادوا أن يكملوا له حاله يتحد به هذا الشيخ فإذا اتحد به أخذ ذلك الثوب الذي عليه في حال ذلك الحال ونزعه وأفرعه على الرجل الذي يريد تكملة حاله فيسري فيه ذلك الحال فيكمل له ذلك فذلك هو اللباس المعروف عندنا والمنقول عن المحققين من شيوخنا ثم اعلم أن رجال الله على أربع مراتب رجال لهم الظاهر ورجال لهم الباطن ورجال لهم الحد ورجال لهم المطلع فإن الله سبحانه لما أغلق دون الخلق باب النبوة والرسالة أبقى لهم باب الفهم عن الله فيما أوحى به إلى نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه العزيز وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول إن الوحي قد انقطع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بقي بأيدينا إلا أن يرزق الله عبدا فهما في هذا القرآن وقد أجمع أصحابنا أهل الكشف على صحة خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في آي القرآن إنه ما من آية إلا ولها ظاهر وباطن وحد ومطلع ولكل مرتبة من هذه المراتب رجال ولكل طائفة من هؤلاء الطوائف قطب وعلى ذلك القطب يدور فلك ذلك الكشف دخلت على شيخنا أبي محمد عبد الله الشكاز من أهل باغة باغرناطة سنة خمس وتسعين وخمسمائة وهو من أكبر من لقيته في هذا الطريق لم أر في طريقه مثله في الاجتهاد فقال لي الرجال أربعة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وهم رجال الظاهر ورجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وهم رجال الباطن جلساء الحق تعالى ولهم المشورة ورجال الأعراف وهم رجال الحد قال الله تعالى وعلى الأعراف رجال أهل الشم والتمييز والسراح عن الأوصاف فلا صفة لهم كان منهم أبو يزيد البسطامي ورجال إذا دعاهم الحق إليه يأتونه رجالا لسرعة الإجابة لا يركبون وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وهم رجال المطلع فرجال الظاهر هم الذين لهم التصرف في عالم الملك والشهادة وهم الذين كان يشير إليهم الشيخ محمد بن قائد الأواني وهو المقام الذي تركه الشيخ العاقل أبو السعود بن الشبل البغدادي أدبا مع الله أخبرني أبو البدر التماشكي البغدادي رحمه الله قال لما اجتمع محمد بن قائد الأواني وكان من الأفراد بأبي السعود هذا قال له يا أبا السعود إن الله قسم المملكة بيني وبينك فلم لا تتصرف فيها كما أتصرف أنا فقال له أبو السعود يا ابن قائد وهبتك سهمي نحن تركنا الحق يتصرف لنا وهو قوله تعالى فاتخذه وكيلا فامتثل أمر الله فقال لي أبو البدر قال لي أبو السعود إني أعطيت التصرف في العالم منذ خمس عشرة سنة من تاريخ قوله فتركته وما ظهر علي منه شئ وأما رجال الباطن فهم الذين لهم التصرف في عالم الغيب والملكوت فيستنزلون الأرواح العلوية بهممهم فيما يريدونه وأعني أرواح الكواكب لا أرواح الملائكة وإنما كان ذلك لمانع إلهي قوي يقتضيه مقام الأملاك أخبر الله به في قول جبريل عليه السلام لمحمد صلى الله عليه وسلم فقال وما نتنزل إلا بأمر ربك ومن كان تنزله بأمر ربه لا تؤثر فيه الخاصية ولا ينزل بها نعم أرواح الكواكب تستنزل بالأسماء والبخورات وأشباه ذلك لأنه تنزل معنوي ولمن يشاهد فيه صورا خيالي فإن ذات الكواكب لا تبرح من السماء مكانها ولكن قد جعل الله لمطارح شعاعاتها في عالم الكون والفساد تأثيرات معتادة عند العارفين بذلك كالري عند شرب الماء والشبع عند الأكل ونبات الحبة عند دخول الفصل بنزول المطر والصحو حكمة أودعها العليم الحكيم جل وعز فيفتح لهؤلاء الرجال في باطن الكتب المنزلة والصحف المطهرة وكلام العالم كله ونظم الحروف والأسماء من جهة معانيها ما لا يكون لغيرهم اختصاصا إلهيا وأما رجال الحد فهم الذين لهم التصرف في عالم الأرواح النارية عالم البرزخ
(١٨٧)