يا إلهي وسيدي واعتمادي * ما عشقنا منها سوى معناها أعلمتنا بما تريدون منا * بلسان الرسول من أعلاها فقطعنا أيامنا في سرور * بك يا سيدي فما أحلاها قال ردوا عليه دار هواه * صدق الروح إنه يهواها فرددنا مخلدين سكارى * طربا دائما إلى سكناها وبناها على اعتدال قواها * وتجلى لها بما قواها اعلم أيدك الله أن هذا الباب يتضمن ذكر عباد الله المسمين بالملامية وهم الرجال الذين حلوا من الولاية في أقصى درجاتها وما فوقهم إلا درجة النبوة وهذا يسمى مقام القربة في الولاية وآيتهم من القرآن حور مقصورات في الخيام ينبه بنعوت نساء الجنة وحورها على نفوس رجال الله الذين اقتطعهم إليه وصانهم وحبسهم في خيام صون الغيرة الإلهية في زوايا الكون أن تمتد إليهم عين فتشغلهم لا والله ما يشغلهم نظر الخلق إليهم لكنه ليس في وسع الخلق أن يقوموا بما لهذه الطائفة من الحق عليهم لعلو منصبها فتقف العباد في أمر لا يصلون إليه أبدا فحبس ظواهرهم في خيمات العادات والعبادات من الأعمال الظاهرة والمثابرة على الفرائض منها والنوافل فلا يعرفون بخرق عادة فلا يعظمون ولا يشار إليهم بالصلاح الذي في عرف العامة مع كونهم لا يكون منهم فساد فهم الأخفياء الأبرياء الأمناء في العالم الغامضون في الناس فيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر والعلانية وكان غامضا في الناس يريد أنهم لا يعرفون بين الناس بكبير عبادة ولا ينتهكون المحارم سرا وعلنا قال بعض الرجال في صفتهم لما سئل عن العارف قال مسود الوجه في الدنيا والآخرة فإن كان أراد ما ذكرناه من أحوال هذه الطائفة فإنه يريد باسوداد الوجه استفراغ أوقاته كلها في الدنيا والآخرة في تجليات الحق له ولا يرى الإنسان عندنا في مرآة الحق إذا تجلى له غير نفسه ومقامه وهو كون من الأكوان والكون في نور الحق ظلمة فلا يشهد إلا سواده فإن وجه الشئ حقيقته وذاته ولا يدوم التجلي إلا لهذه الطائفة على الخصوص فهم مع الحق في الدنيا والآخرة على ما ذكرناه من دوام التجلي وهم الأفراد وأما إن أراد بالتسويد من السيادة وأراد بالوجه حقيقة الإنسان أي له السيادة في الدنيا والآخرة فيمكن ولا يكون ذلك إلا للرسل خاصة فإنه كما لهم وهو في الأولياء نقص لأن الرسل مضطرون في الظهور لأجل التشريع والأولياء ليس لهم ذلك ألا ترى الله سبحانه لم أكمل الدين كيف أمره في السورة التي نعى الله إليه فيها نفسه فأنزل عليه إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره أي أشغل نفسك بتنزيه ربك والثناء عليه بما هو أهله فاقتطعه بهذا الأمر من العالم لما كمل ما أريد منه من تبليغ الرسالة وطلب بالاستغفار أن يستره عن خلقه في حجاب صونه لينفرد به دون خلقه دائما فإنه كان في زمان التبليغ والإرشاد وشغله بأداء الرسالة فإن له وقتا لا يسعه فيه غير ربه وسائر أوقاته فيما أمر به من النظر في أمور الخلق فرده إلى ذلك الوقت الواحد الذي كان يختلسه من أوقات شغله بالخلق وإن كان عن أمر الحق ثم قوله إنه كان توابا أي يرجع الحق إليك رجوعا مستصحبا لا يكون للخلق عندك فيه دخول بوجه من الوجوه ولما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه السورة بكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وحده دون من كان في ذلك المجلس وعلم أن الله تعالى قد نعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه وهو كان أعلم الناس به وأخذ الحاضرون يتعجبون من بكائه ولا يعرفون سبب ذلك والأولياء الأكابر إذا تركوا وأنفسهم لم يختر أحد منهم الظهور أصلا لأنهم علموا أن الله ما خلقهم لهم ولا لأحد من خلقه بالتعلق من القصد الأول وإنما خلقهم له سبحانه فشغلوا أنفسهم بما خلقوا له فإن أظهرهم الحق عن غير اختيار منهم بأن يجعل في قلوب الخلق تعظيمهم فذلك إليه سبحانه ما لهم فيه تعمل وإن سترهم فلم يجعل لهم في قلوب الناس قدرا يعظمونهم من أجله فذلك إليه تعالى فهم لا اختيار لهم مع اختيار الحق فإن خيرهم ولا بد فيختارون الستر عن الخلق والانقطاع إلى الله ولما كان حالهم ستر مرتبتهم عن نفوسهم فكيف عن غيرهم تعين علينا أن نبين منازل
(١٨١)