ولم يبد من شمس الوجود ونورها * على عالم الأرواح شئ سوى القرص وليست تنال العين في غير مظهر * ولو هلك الإنسان من شدة الحرص ولا ريب في قولي الذي قد بثثته * وما هو بالزور المموه والخرص اعلم أيدك الله أن كل حيوان وكل موصوف بإدراك فإنه في كل نفس في علم جديد من حيث ذلك الإدراك لكن الشخص المدرك قد لا يكون ممن يجعل باله أن ذلك علم فهذا هو في نفس الأمر علم فاتصاف العلوم بالنقص في حق العالم هو أن الإدراك قد حيل بينه وبين أشياء كثيرة مما كان يدركها لو لم يقم به هذا المانع كمن طرأ عليه العمي أو الصمم أو غير ذلك ولما كانت العلوم تعلو وتتضع بحسب المعلوم لذلك تعلقت الهمم بالعلوم الشريفة العالية التي إذا اتصف بها الإنسان زكت نفسه وعظمت مرتبته فأعلاها مرتبة العلم بالله وأعلى الطرق إلى العلم بالله علم التجليات ودونها علم النظر وليس دون النظر علم إلهي وإنما هي عقائد في عموم الخلق لا علوم وهذه العلوم هي التي أمر الله نبيه ع بطلب الزيادة منها قال تعالى ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما أي زدني من كلامك ما نزيد به علما بك فإنه قد زاد هنا من العلم العلم بشرف التأني عند الوحي أدبا مع المعلم الذي أتاه به من قبل ربه ولهذا أردف هذه الآية بقوله وعنت الوجوه للحي القيوم أي ذلت فأراد علوم التجلي والتجلي أشرف الطرق إلى تحصيل العلوم وهي علوم الأذواق واعلم أن للزيادة والنقص بابا آخر نذكره أيضا إن شاء الله وذلك أن الله جعل لكل شئ ونفس الإنسان من جملته الأشياء ظاهرا وباطنا فهي تدرك بالظاهر أمورا تسمى عينا وتدرك بالباطن أمورا تسمى علما والحق سبحانه هو الظاهر والباطن فبه وقع الإدراك فإنه ليس في قدرة كل ما سوى الله أن يدرك شيئا بنفسه وإنما أدركه بما جعل الله فيه وتجلى الحق لكل من تجلى له من أي عالم كان من عالم الغيب أو الشهادة إنما هو من الاسم الظاهر وأما الاسم الباطن فمن حقيقة هذه النسبة أنه لا يقع فيها تجل أبدا لا في الدنيا ولا في الآخرة إذ كان التجلي عبارة عن ظهوره لمن تجلى له في ذلك المجلى وهو الاسم الظاهر فإن معقولية النسب لا تتبدل وإن لم يكن لها وجود عيني لكن لها الوجود العقلي فهي معقولة فإذا تجلى الحق إما منة أو إجابة لسؤال فيه فتجلى لظاهر النفس وقع الإدراك بالحس في الصورة في برزخ التمثل فوقعت الزيادة عند المتجلي له في علوم الأحكام إن كان من علماء الشريعة وفي علوم موازين المعاني إن كان منطقيا وفي علوم ميزان الكلام إن كان نحويا وكذلك صاحب كل علم من علوم الأكوان وغير الأكوان تقع له الزيادة في نفسه من علمه الذي هو بصدده فأهل هذه الطريقة يعلمون أن هذه الزيادة إنما كانت من ذلك التجلي الإلهي لهؤلاء الأصناف فإنهم لا يقدرون على إنكار ما كشف لهم وغير العارفين يحسون بالزيادة وينسبون ذلك إلى أفكارهم وغير هذين يجدون من الزيادة ولا يعلمون أنهم استزادوا شيئا فهم في المثل كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله وهي هذه الزيادة وأصلها والعجب من الذين نسبوا ذلك إلى أفكارهم وما علم إن فكره ونظره وبحثه في مسألة من المسائل هو من زيادة العلوم في نفسه من ذلك التجلي الذي ذكرناه فالناظر مشغول بمتعلق نظره وبغاية مطلبه فيحجب عن علم الحال فهو في مزيد علم وهو لا يشعر وإذا وقع التجلي أيضا بالاسم الظاهر لباطن النفس وقع الإدراك بالبصيرة في عالم الحقائق والمعاني المجردة عن المواد وهي المعبر عنها بالنصوص إذ النص ما لا إشكال فيه ولا احتمال بوجه من الوجوه وليس ذلك إلا في المعاني فيكون صاحب المعاني مستريحا من تعب الفكر فتقع الزيادة له عند التجلي في العلوم الإلهية وعلوم الأسرار وعلوم الباطن وما يتعلق بالآخرة وهذا مخصوص بأهل طريقنا فهذا سبب الزيادة وأما سبب نقصها فامران إما سوء في المزاج في أصل النش ء أو فساد عارض في القوة الموصلة إلى ذلك وهذا لا ينجبر كما قال الخضر في الغلام إنه طبع كافرا فهذا في أصل النش ء وأما الأمر العارض فقد يزول إن كان في القوة بالطب وإن كان في النفس فشغله حب الرياسة واتباع الشهوات عن اقتناء العلوم التي فيها شرفه وسعادته فهذا أيضا قد يزول بداعي الحق من قلبه فيرجع إلى الفكر الصحيح فيعلم إن الدنيا منزل من منازل المسافر وأنها جسر يعبر وأن الإنسان إذا لم تتحل نفسه هنا بالعلوم ومكارم الأخلاق وصفات الملأ الأعلى من الطهارة والتنزه عن
(١٦٦)