جاء من غيب حضرة * قد محا الله بدره صار خلقا من بعد ما * كان روحا فغره وانتهى فيه أمره * فحباه وسره من يكن مثله فقد * عظم الله أجره اعلم أيدك الله أن العلم العيسوي هو علم الحروف ولهذا أعطى النفخ وهو الهواء الخارج من تجويف القلب الذي هو روح الحياة فإذا انقطع الهواء في طريق خروجه إلى فم الجسد سمي مواضع انقطاعه حروفا فظهرت أعيان الحروف فلما تألفت ظهرت الحياة الحسية في المعاني وهو أول ما ظهر من الحضرة الإلهية للعالم ولم يكن للأعيان في حال عدمها شئ من النسب إلا السمع فكانت الأعيان مستعدة في ذواتها في حال عدمها لقبول الأمر الإلهي إذا ورد عليها بالوجود فلما أراد بها الوجود قال لها كن فتكونت وظهرت في أعيانها فكان الكلام الإلهي أول شئ أدركته من الله تعالى بالكلام الذي يليق به سبحانه فأول كلمة تركبت كلمة كن وهي مركبة من ثلاثة أحرف كاف وواو ونون وكل حرف من ثلاثة فظهرت التسعة التي جذرها الثلاثة وهي أول الأفراد وانتهت بسائط العدد بوجود التسعة من كن فظهر بكن عين المعدود والعدد ومن هنا كان أصل تركيب المقدمات من ثلاثة وإن كانت في الظاهر أربعة فإن الواجد يتكرر في المقدمتين فهي ثلاثة وعن الفرد وجد الكون لا عن الواحد وقد عرفنا الحق أن سبب الحياة في صور المولدات إنما هو النفخ الإلهي في قوله فإذا سويته ونفحت فيه من روحي وهو النفس الذي أحيى الله به الايمان فأظهره قال صلى الله عليه وسلم إن نفس الرحمن يأتيني من قبل اليمن فحييت بذلك النفس الرحماني صورة الايمان في قلوب المؤمنين وصورة الأحكام المشروعة فأعطى عيسى علم هذا النفخ الإلهي ونسبته فكان ينفخ في الصورة الكائنة في القبر أو في صورة الطائر الذي أنشأه من الطين فيقوم حيا بالإذن الإلهي الساري في تلك النفخة وفي ذلك الهواء ولولا سريان الأذن الإلهي فيه لما حصلت حياة في صورة أصلا فمن نفس الرحمان جاء العلم العيسوي إلى عيسى فكان يحيي الموتى بنفخه ع وكان انتهاؤه إلى الصور المنفوخ فيها وذلك هو الحظ الذي لكل موجود من الله وبه يصل إليه إذا صارت إليه الأمور كلها وإذا تحلل الإنسان في معراجه إلى ربه وأخذ كل كون منه في طريقه ما يناسبه لم يبق منه إلا هذا السر الذي عنده من الله فلا يراه إلا به ولا يسمع كلامه إلا به فإنه يتعالى ويتقدس أن يدرك إلا به وإذا رجع الشخص من هذا المشهد وتركبت صورته التي كانت تحللت في عروجه ورد العالم إليه جميع ما كان أخذه منه مما يناسبه فإن كل عالم لا يتعدى جنسه فاجتمع الكل على هذا السر الإلهي واشتمل عليه وبه سبحت الصورة بحمده وحمدت ربها إذ لا يحمده سواه ولو حمدته الصورة من حيث هي لا من حيث هذا السر لم يظهر الفضل الإلهي ولا الامتنان على هذه الصورة وقد ثبت الامتنان له على جميع الخلائق فثبت إن الذي كان من المخلوق لله من التعظيم والثناء إنما كان من ذلك السر الإلهي ففي كل شئ من روحه وليس شئ فيه فالحق هو الذي حمد نفسه وسبح نفسه وما كان من خير إلهي لهذه الصورة عند ذلك التحميد والتسبيح فمن باب المنة لا من باب الاستحقاق الكوني فإن جعل الحق له استحقاقا فمن حيث إنه أوجب ذلك على نفسه فالكلمات عن الحروف والحروف عن الهواء والهواء عن النفس الرحماني وبالأسماء تظهر الآثار في الأكوان وإليها ينتهي العلم العيسوي ثم إن الإنسان بهذه الكلمات يجعل الحضرة الرحمانية تعطيه من نفسها ما تقوم به حياة ما يسأل فيه بتلك الكلمات فيصير الأمر دوريا دائما واعلم أن حياة الأرواح حياة ذاتية ولهذا يكون كل ذي روح حي بروحه ولما علم بذلك السامري حين أبصر جبريل وعلم أن روحه عين ذاته وأن حياته ذاتية فلا يطأ موضعا إلا حيي ذلك الموضع بمباشرة تلك الصورة الممثلة إياه فأخذ من أثره قبضة وذلك قوله تعالى فيما أخبر به عنه أنه قال ذلك فقبضت قبضة من أثر الرسول فلما صاع العجل وصورة نبذ فيه تلك القبضة فخارا العجل ولما كان عيسى ع روحا كما سماه الله وكما أنشأه روحا في صورة إنسان ثابتة أنشأ جبريل في صورة أعرابي غير ثابتة كان يحيي الموتى بمجرد النفخ ثم إنه أيده بروح القدس فهو روح مؤيد بروح طاهرة من دنس الأكوان والأصل في هذا كله الحي
(١٦٨)