خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ويستعين على الإنسان بالطبع فإنه المساعد له فيما يدعوه إليه من اتباع الشهوات فأمر الإنسان أن يقاتله من هذه الجهات وأن يحصن هذه الجهات بما أمره الشرع أن يحصنها به حتى لا يجد الشيطان إلى الدخول إليه منها سبيلا فإن جاءك من بين يديك وطردته لاحت لك من العلوم علوم النور منة من الله عليك وجزاء حيث آثرت جناب الله على هواك وعلوم النور على قسمين علوم كشف وعلوم برهان بصحيح فكر فيحصل له من طريق البرهان ما يرد به الشبه المضلة القادحة في وجود الحق وتوحيده وأسمائه وأفعاله فبالبرهان يرد على المعطلة ويدل على إثبات وجود الإله وبه يرد على أهل الشرك الذين يجعلون مع الله إلها آخر ويدل على توحيد الإله من كونه إلها وبه يرد على من ينفي أحكام الأسماء الإلهية وصحة آثارها في الكون ويدل على إثباتها بالبرهان السمعي من طريق الإطلاق وبالبرهان العقلي من طريق المعاني وبه يرد على نفاة الأفعال من الفلاسفة ويدل على أنه سبحانه فاعل وأن المفعولات مرادة له سمعا وعقلا وأما علوم الكشف فهو ما يحصل له من المعارف الإلهية في التجليات في المظاهر وإن جاءك من خلفك وهو ما يدعوك إليه أن تقول على الله ما لا تعلم وتدعي النبوة والرسالة وإن الله قد أوحي إليك وذلك أن الشيطان إنما ينظر في كل ملة كل صفة علق الشارع المذمة عليها في تلك الأمة فيأمرك بها وكل صفة علق المحمدة عليها نهاك عنها هذا على الإطلاق والملك على النقيض منه يأمرك بالمحمود منها وينهاك عن المذموم فإذا طردته من خلفك لاحت لك علوم الصدق ومنازله وأين ينتهي بصاحبه كما قال تعالى في مقعد صدق إلا أن ذلك صدقهم هو الذي أقعدهم ذلك المقعد عند مليك مقتدر فإن الاقتدار يناسب الصدق فإن معناه القوي يقال رمح صدق أي صلب قوي ولما كانت القوة صفة هذا الصادق حيث قوى على نفسه فلم يتزين بما ليس له والتزم الحق في أقواله وأحواله وأفعاله وصدق فيها أقعده الحق عند مليك مقتدر أي أطلعه على القوة الإلهية التي أعطته القوة في صدقه الذي كان عليه فإن الملك هو الشديد أيضا فهو مناسب للمقتدر قال قيس بن الحطيم يصف طعنة ملكت بها كفي فانهرت فتقها * يرى قائم من دونها ما وراءها أي شددت كفي بها يقال ملكت العجين إذا شددت عجنه فيحصل لك إذا خالفته في هذا الأمر الذي جاءك به علم تعلق الاقتدار الإلهي بالإيجاد وهي مسألة خلاف بين أهل الحقائق من أصحابنا ويحصل لك علم العصمة والحفظ الإلهي حتى لا يؤثر فيك وهمك ولا غيرك فتكون خالصا لربك وإن جاءك من جهة اليمين فقويت عليه ودفعته فإنه إذا جاءك من هذه الجهة الموصوفة بالقوة فإنه يأتي إليك ليضعف إيمانك ويقينك ويلقي عليك شبها في أدلتك ومكاشفاتك فإنه له في كل كشف يطلعك الحق عليه أمرا من عالم الخيال ينصبه لك مشابها لحالك الذي أنت به في وقتك فإن لم يكن لك علم قوي بما تميز به بين الحق وما يخيله لك فتكون موسوي المقام وإلا التبس عليك الأمر كما خيلت السحرة للعامة أن الحبال والعصي حيات ولم تكن كذلك وقد كان موسى ع لما ألقى عصاه فكانت حية تسعى خاف منها على نفسه على مجرى العادة وإنما قدم الله بين يديه معرفة هذا قبل جمع السحرة ليكون على يقين من الله أنها آية وأنها لا تضره وكان خوفه الثاني عند ما ألقت السحرة الحبال والعصي فصارت حيات في أبصار الحاضرين على الأمة لئلا يلتبس عليهم الأمر فلا يفرقون بين الخيال والحقيقة أو بين ما هو من عند الله وبين ما ليس من عند الله فاختلف تعلق الخوفين فإنه ع على بينة من ربه قوي الجاش بما تقدم له إذ قيل له في الإلقاء الأول خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى أي ترجع عصا كما كانت في عينك فأخفى تعالى العصا في روحانية الحية البرزخية فتلقفت جميع حيات السحرة المتخيلة في عيون الحاضرين فلم يبق لتلك الحبال والعصي عين ظاهرة في أعينهم وهي ظهور حجته على حججهم في صور حبال وعصى فأبصرت السحرة والناس حبال السحرة وعصيهم التي ألقوها حبالا وعصيا فهذا كان تلقفها لا أنها انعدمت الحبال والعصي إذ لو انعدمت لدخل عليهم التلبيس في عصا موسى وكانت الشبهة تدخل عليهم فلما رأى الناس الحبال حبالا علموا أنها مكيدة طبيعية يعضدها قوة كيدية روحانية فتلقفت عصا موسى صور الحيات من الحبال والعصي كما يبطل كلام الخصم إذا كان على غير حق أن يكون حجة لا إن ما أتى به ينعدم بل يبقى محفوظا معقولا
(١٥٨)