جسم آدم من طين وهو مزج الماء بالتراب ثم نفخ فيه نفسا وروحا ولقد ورد في النبوة الأولى في بعض الكتب المنزلة على نبي في بني إسرائيل ما أذكر نصه الآن فإن الحاجة مست إلى ذكره فإن أصدق الأخبار ما روى عن الله تعالى فروينا عن مسلمة بن وضاح مسندا إليه وكان من أهل قرطبة فقال قال الله في بعض ما أنزله على أنبياء بني إسرائيل إني خلقت يعني آدم من تراب وماء ونفخت فيه نفسا وروحا فسويت جسده من قبل التراب ورطوبته من الماء وحرارته من النفس وبرودته من الروح قال ثم جعلت في الجسد بعد هذا أربعة أنواع أخر لا تقوم واحدة منهن إلا بالأخرى وهي المرتان والدم والبلغم ثم أسكنت بعضهن في بعض فجعلت مسكن اليبوسة في المرة السوداء ومسكن الحرارة في المرة الصفراء ومسكن الرطوبة في الدم ومسكن البرودة في البلغم ثم قال جل ثناؤه فأي جسد اعتدلت فيه هذه الأخلاط كملت صحته واعتدلت بنيته فإن زادت واحدة منهن على الأخرى وقهرتهن دخل السقم على الجسد بقدر ما زادت وإذا كانت ناقصة ضعفت عن مقاومتهن فدخل السقم بغلبتهن إياها وضعفها عن مقاومتهن فعلم الطب أن يزيد في الناقص أو ينقص من الزائد طلب الاعتدال في كلام طويل عن الله تعالى ذكرناه في الموعظة الحسنة فكان هذا الإمام من أعلم الناس بهذا النش ء الطبيعي وما للعالم العلوي فيه من الآثار المودعة في أنوار الكواكب وسباحتها وهو الأمر الذي أوحى الله في السماوات وفي اقتراناتها وهبوطها وصعودها وأوجها وحضيضها قال تعالى وأوحى في كل سماء أمرها وقال في الأرض وقدر فيها أقواتها وكان لهذا الشخص فيما ذكرناه مجال رحب وباع متسع وقدم راسخة لكن ما تعدت قوته في النظر الفلك السابع من باب الذوق والحال لكن حصل له ما في الفلك المكوكب والأطلس بالكشف والاطلاع وكان الغالب عليه قلب الأعيان في زعمه والأعيان لا تنقلب عندنا جملة واحدة فكان هذا الشخص لا يبرح يسبح بروحانيته من حيث رصده وفكره مع المقابل في درجه ودقائقه وكان عنده من أسرار إحياء الموات عجائب وكان مما خصه الله به أنه ما حل بموضع قد أجدب إلا أوجد الله فيه الخصب والبركة كما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خضر رضي الله عنه وقد سئل عن اسمه بخضر فقال صلى الله عليه وسلم ما قعد على فروة إلا اهتزت تحته خضراء وكان هذا الإمام له تلميذ كبير في المعرفة الذاتية وعلم القوة وكان يتلطف بأصحابه في التنبيه عليه ويستر عن عامة أصحابه ذلك خوفا عليه منهم ولذلك سمي مداوي الكلوم كما استكتم يعقوب يوسف عليهما السلام حذرا عليه من إخوته وكان يشغل عامة أصحابه بعلم التدبير ومثل ذلك مما يشاكل هذا الفن من تركيب الأرواح في الأجساد وتحليل الأجساد وتأليفها بخلع صورة عنها أو خلع صورة عليها ليقفوا من ذلك على صنعة الله العليم الحكيم وعن هذا القطب خرج علم العالم وكونه إنسانا كبيرا وإن الإنسان مختصرة في الجرمية مضاهية في المعنى فأخبرني الروح الذي أخذت منه ما أودعته في هذا الكتاب أنه جمع أصحابه يوما في دسكرة وقام فيهم خطيبا وكانت عليه مهابة فقال افهموا عني ما أرمزه لكم في مقامي هذا وفكروا فيه واستخرجوا كنزه واتساع زمانه في أي عالم هو وإني لكم ناصح ومأكل ما يدري يذاع فإنه لكل علم أهل يختص بهم وما يتمكن الانفراد ولا يسع الوقت فلا بد أن يكون في الجمع فطر مختلفة وأذهان غير مؤتلفة والمقصود من الجماعة واحد إياه أقصد بكلامي وبيده مفتاح رمزي ولكل مقام مقال ولكل علم رجال ولكل وارد حال فافهموا عني ما أقول وعوا ما تسمعون فبنور النور أقسمت وبروح الحياة وحياة الروح آليت إني عنكم لمنقلب من حيث جئت وراجع إلى الأصل الذي عنه وجدت فقد طال مكثي في هذه الظلمة وضاق نفسي بترادف هذه الغمة وإني سألت الرحلة عنكم وقد أذن لي في الرحيل فأثبتوا على كلامي فتعقلون ما أقول بعد انقضاء سنين عينها وذكر عددها فلا تبرحوا حتى آتيكم بعد هذه المدة وإن برحتم فلتسرعوا إلى هذا المجلس الكرة وإن لطف مغناه وغلب على الحرف معناه فالحقيقة الحقيقة والطريقة الطريقة فقد اشتركت الجنة والدنيا في اللبن والبناء وإن كانت الواحدة من طين وتبن والأخرى من عسجد ولجين هذا ما كان من وصيته لبنيه وهذه مسألة عظيمة رمزها وراح فمن عرفها استراح ولقد دخلت يوما بقرطبة على قاضيها أبي الوليد بن رشد وكان يرغب في لقائي لما سمع وبلغه ما فتح الله به علي في خلوتي فكان يظهر التعجب مما سمع فبعثني والدي إليه في حاجة قصدا منه حتى يجتمع بي فإنه كان من أصدقائه وأناصي ما بقل
(١٥٣)