لفظ التلبية وهو قوله لبيك كما شرع الله أكبر في تكبيرة الإحرام في الصلاة فأوجب بعضهم تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وصورتها لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وفي رواية لبيك إله الحق وفي رواية إله الخلق فهي واجبة بهذا اللفظ عند هؤلاء وعند جمهور العلماء مستحبة وبه أقول واللفظ بها أولى واختلفوا في الزيادة على هذا اللفظ وفي تبديله كما قلنا وكذلك اختلفوا في رفع الصوت بالتلبية وهو الإهلال فأوجبه بعضهم وبه أقول ولكنه عندي إذا وقع منه مرة واحدة أجزأه وما زاد على الواحدة فهو مستحب وأولى وقال بعضهم رفع الصوت بالتلبية مستحب إلا في مساجد الجماعات ما عدا المسجد الحرام ومسجد منى عند بعضهم واختلفوا في التلبية هل هي ركن أم لا فقال بعضهم هي ركن من أركان الحج وبه أقول فإن الله يقول فليستجيبوا لي وهو قد دعانا إلى بيته فلا بد أن أقول لبيك ثم نأخذ في الفعل لما دعاني الله أن نأتيه به من الصفات وقال بعضهم ليست ركنا اعلم أن القصد إلى الله تعالى بهذه العبادة الخاصة الجامعة بين الإحرام والتصرف في أكثر المباحات هو قصد خاص لاسم خاص وهو الداعي إلى البيت بهذا القصد لا إليه لكن من أجله بصفة عبودية مشوبة بصفة سيادة تظهر حكم السيادة في هذه العبادة في النحر لأنه إتلاف صورة وفي الرمي بالجمار فإنه وصف فعل إلهي في قوله وأمطرنا عليهم حجارة روى أن إبليس تعرض لإبراهيم الخليل في أماكن هذه الجمرات مرارا فحصبه بعدد ما شرع وفي زمانها وكذلك في إلقاء التفث فإنه وصف إلهي من قوله سنفرغ لكم وفرع ربك والوفاء بما نذر فيه كذلك لقوله أوف بعهدكم والطواف بالبيت لكون هذا الفعل إحاطة بالبيت من قوله وهو بكل شئ محيط والذكر فيها من قوله اذكروني أذكركم وذكر الله لنا أكبر من ذكرنا له إلا أن ذكرناه به لا بنا فذكرنا به أكبر إحاطة فإن في ذكرنا نحن وهو وفي ذكره هو بلا نحن قرئ على أبي يزيد إن بطش ربك لشديد قال بطشي أشد يعني إذا بطش العبد به لا بنفسه وإنما قول أبي يزيد عندي فشرحه خلاف هذا فإن بطش العبد بطش معرى عن الرحمة ما عنده من الرحمة شئ في حال بطشه وبطش الحق بكل وجه فيه رحمة بالمبطوش به من وجه يقصده الباطش الحق فهو الرحيم به في بطشه فبطش العبد أشد لأنه لا تقوم به رحمة بالمبطوش به وما أشبه ذلك من الرمل والسعي وكل فعل له في الألوهية وصف وإذا عرفت أن القصد إلى البيت من الله لا إليه فليكن قصدك إلى البيت بربك لا بنفسك فتكون ذا قصد إلهي فإنه تعالى قصد هذا البيت دون غيره من البيوت وطلب من عباده أن يقصدوه بوصف خاص وهو الإحرام وجميع أفعال الحاج وجعل أوله طوافا وآخره طوافا فختم بمثل ما به بدأ عند الوصول إلى البيت فما أمرك بالقصد إلى البيت لا إليه إلا لكونه جعله قصدا حسيا فيه قطع مسافة أقربها من بيتك الذي بمكة إلى البيت وهو معك أينما كنت فلا يصح أن تقصد بالمشي الحسي من هو معك فأعلمك أنه معك ثم إنه ذلك على البيت الذي هو مثلك ومن جنسك أعني أنه مخلوق فدلالته لك على البيت دلالته لك على نفسك في قوله من عرف نفسه عرف ربه فإذا قصدت البيت إنما قصدت نفسك فإذا وصلت إلى نفسك عرفت من أنت وإذا عرفت من أنت عرفت ربك فتعلم عند ذلك هل أنت هو أو لست هو فإنه هناك يحصل لك العلم الصحيح فإن الدليل قد يكون خلاف المدلول وقد يكون عين المدلول فلا شئ أدل على الشئ من نفسه ثم تبعد الدلالة بحسب بعد المناسبة فالإنسان أقرب دليل عليه من كونه مخلوقا على الصورة ولهذا ناداك من قريب لقرب المناسبة فقال إني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني وقد سمع الله قول التي تجادلك وقد تقدم في أول الباب أسرار ظهرت في اعتبار البيت ثم جاء بلفظة البيت لما فيه من اشتقاق المبيت فكأنه إنما سمي بيتا للمبيت فيه فإنه الركن الأعظم في منافع البيت كقولهم الحج عرفة يريد معظمه فراعى حكم المبيت لأنه في المبيت يكون النوم فهو محتاج إلى من يحفظ رحله ونفسه لنومه فإنه في حال يقظته يتصف بحفظ رحله ونفسه فلما راعى فيه المبيت والمبيت لا يكون إلا بالليل لا بالنهار ولهذا راعى أحمد بن حنبل في غسل اليد في الوضوء قبل إدخالها في الإناء لمن قام من نوم الليل خاصة لقوله صلى الله عليه وسلم فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده فجاء بلفظ المبيت فجعل الحكم في نوم الليل ولما كان الليل محل التجلي فيه فإن الحق ما جعل تجليه لعباده في الحكم الزماني إلا في الليل فإن فيه ينزل ربنا وفيه كان الإسراء برسول الله صلى الله عليه
(٦٩٥)