يخيل لي قد ارتفعت عن الأرض بقواعدها مشمرة الأذيال كما يتشمر الإنسان إذا أراد أن يثب من مكانه يجمع عليه ثيابه هكذا خيلت لي قد جمعت ستورها عليها لتثب علي وهي في صورة جارية لم أر صورة أحسن منها ولا يتخيل أحسن منها فارتجلت أبياتا في الحال أخاطبها بها وأستنزلها عن ذلك الحرج الذي عاينته منها فما زلت أثنى عليها في تلك الأبيات وهي تتسع وتنزل بقواعدها على مكانها وتظهر السرور بما أسمعها إلى أن عادت إلى حالها كما كانت وأمنتني وأشارت إلي بالطواف فرميت بنفسي على المستجار وما في مفصل إلا وهو يضطرب من قوة الحال إلى أن سرى عني وصالحتها وأودعتها شهادة التوحيد عند تقبيل الحجر فخرجت الشهادة عند تلفظي بها وأنا أنظر إليها بعيني في صورة سلك وانفتح في الحجر الأسود مثل الطاق حتى نظرت إلى قعر طول الحجر فرأيته نحو ذراع فسألت عنه بعد ذلك من رآه من المجاورين حين احترق البيت فعمل بالفضة وأصلح شأنه فقال لي رأيته كما ذكرت في طول الذراع ورأيت الشهادة قد صارت مثل الكبة واستقرت في قعر الحجر وأنطبق الحجر عليها وانسد ذلك الطاق وأنا أنظر إليه فقالت لي هذه أمانة عندي أرفعها لك إلى يوم القيامة أشهد لك بها عند الله هذا قول الحجر لي وأنا أسمع فشكرت الله ثم شكرتها على ذلك ومن ذلك الوقت وقع الصلح بيني وبينها وخاطبتها بتلك الرسائل السبعة فزادت بي فرحا وابتهاجا حتى جاءتني منها بشرى على لسان رجل صالح من أهل الكشف ما عنده خبر بما كان بيني وبينها مما ذكرته فقال لي رأيت البارحة فيما يرى النائم هذه الكعبة وهي تقول لي يا عبد الواحد سبحان الله ما في هذا الحرم من يطوف بي إلا فلان وسمتك لي باسمك ما أدري أين مضى الناس ثم أقمت لي في النوم وأنت طائف بها وحدك لم أرى معك في الطواف أحدا قال الرائي فقالت لي انظر إليه هل ترى بي طائفا آخر لا والله ولا أراه أنا فشكرت الله على هذه البشرى من مثل ذلك الرجل وتذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو ترى له وأما الأبيات التي استنزلت بها الكعبة فهي هذه بالمستجار استجار قلبي * لما أتاه سهم الأعادي يا رحمة الله للعباد * أودعك الله في الجماد يا بيت ربي يا نور قلبي * يا قرة العين يا فؤادي يا سر قلب الوجود حقا * يا حرمتي يا صفا ودادي يا قبلة أقبلت إليها * من كل ربع وكل وادي ومن بقاء فمن سماء * ومن فناء فمن مهاد يا كعبة الله يا حياتي * يا منهج السعد يا رشادي أودعك الله كل أمن * من فزع الهول في المعاد فيك المقام الكريم يزهو * فيك السعادات للعباد فيك اليمين التي كستها * خطيئتي جدة السواد ملتزم فيك من يلازم * هواه يسعد يوم التناد ماتت نفوس شوقا إليها * من ألم الشوق والبعاد من حزن ما نالها عليهم * قد لبست حلة الحداد لله نور على ذراها * من نوره للفؤاد بادي وما يراه سوى حزين * قد كحل العين بالسهاد يطوف سبعا في أثر سبع * من أول الليل للمنادي بعبرة ما لها انقطاع * رهين وجد حلف اجتهاد سمعته قال مستغيثا * من جانب الحجر آه فؤادي قد انقضى ليلنا حثيثا * وما انقضى في الهوى مرادي
(٧٠١)