أو المقصود من هذا الدعاء عين الصفة وأنت بحكم التبع لكون هذا الوصف الخاص لا يقوم بنفسه فما تكون أنت المطلوب ولا بد لك من اسم يكون لك من تلك الصفة يناديك به أو تكون أنت المدعو من حيث عينك والصفة تبع ما هي المقصود في الدعاء لأنها لم يذكر لها عين في هذا الدعاء الخاص فمن راعى من العارفين العين لا عين الصفة لكونه تعالى قال ولله على الناس وما قال على المسلمين ولا ذكر صفة زائدة على أعيانهم فأوجبها على الأعيان وجوبا إلهيا فإذا أتى بهذا الدعاء صاحب الاسم الذي هو الناس قيل فيه إنه قد أجاب إجابة ذاتية فيكون جزاء إجابته تجلى من دعاه ذاتا بذات ومن اعتبر أنه ما دعاه من حيث ما هو ذات وإنما دعاه من حيث ما هو متكلم فما أجاب هذا المدعو إلا عين الصفة لا عين الذات قيل له وكذلك المجيب المدعو ما أجاب منه إلا عين صفته فإن ذات المدعو من صفات من دعاه وهذه الصفة يعبر عنها بذات المدعو لأن المدعو مجموع صفات ذاتية له بمجموعها يكون إنسانا وهو كونه حيوانا ناطقا وليس عين هذا المجموع سوى عين ذاته ولهذا وقع الدعاء من الداعي بالاسم الجامع وهو الله فإن قيل لا يصح أن يكون حقيقة هذا الاسم الجامع وإنما يأتي والداعي به اسم خاص يخصصه حال المدعو ويعين الاسم الخاص به كالجائع يقول يا الله أطعمني فالله الذي دعا يعم المعطي والمانع فتتعذر الإجابة إذا قصد الداعي ما يدل عليه هذا الاسم وما قصد الداعي إلا المطعم المعطي الرزاق ما قصد المانع فإن أطعمه الله فما أجابه إلا المطعم كذلك قوله ولله على الناس حج البيت ليس المقصود بهذا الاسم عين ما يدل عليه فإن من مدلولاته أسماء إلهية تمنع من إجابة المكلف وأسماء تعطي إجابة المكلف فما دعاه من هذا الاسم إلا الاسم الذي يطلب إجابة المكلف المدعو ولهذا يعصي من لم يجب الدعاء بقرائن الأحوال ولو كان من حيث الاسم الله ما عصى ولا أطاع وتقابلت الأمور فلهذا لا يتصور أن يدعو أحد الله من حيث حقيقة هذا الاسم ولا يدعو هذا الاسم الله أحدا من حيث حقيقته وإنما يدعو ويدعى منه من حيث اسم خاص يتضمنه يعرف بالحال فاعلم إن الذات من الجانبين لا يصح أن تكون مطلوبة لأنها موجودة وإنما متعلق الطلب المعدوم ليوجد فما يدعى إلا المعدوم لأن الدعاء طلب والطلب عين الإرادة والإرادة لا تتعلق إلا بالمعدوم قلنا وكذلك وقع فإنه ما ظهر من هذا المدعو إلا الإجابة وكانت معدومة مع كون ذات المدعو لما يدعى إليه موجودة فظهرت الإجابة من المدعو بعد أن لم تكن لأن الإجابة لا تكون إلا بعد دعاء داع وهذا المدعو المعدوم الثابت لا يصح وجوده من ذات المدعو وإنما يصح في ذات المدعو إذا كان المدعو من العالم فيفتقر إلى أن يقول له الداعي كن فحينئذ يكون المدعو إجابة لأمره في ذات هذا المتوجه عليه الخطاب فما إجابته ذات المدعو فيما يظهر وإنما وقعت الإجابة من الصفة التي ظهرت فيه فيخيل إن الذات التي ظهرت فيها ذات هذا المدعو هو المخاطب بالتكوين وليس كذلك وهكذا هو الوجود الإلهي والكوني في نفس الأمر وإن كان الظاهر يعطي غير هذا فما في الكون إلا مسلم لغة لأنه ما ثم إلا منقاد للأمر الإلهي لأنه ما ثم من قيل له كن فأبى بل يكون من غير تثبط ولا يصح إلا ذلك فإذا وقع الحج ممن وقع من الناس ما وقع إلا من مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام أسلمت على ما أسلفت من خير ولم يكن مشروعا من جانب الله له ذلك في حال الجاهلية وقبل بعثة الرسول فاعتبره له الله سبحانه لحكم الانقياد الأصلي الذي تعطيه حقيقة الممكن وهو الإسلام العام فمن اعتبر المجموع وجد ومن اعتبر عين الصفة وجد ومن اعتبر الذات وجد ولكل واحد شرب معلوم من علم خاص فإنه يدخل فيه هذا الإسلام الخاص المعروف في العرف الحاكم في الظاهر والباطن معا فإن حكم في الظاهر لا في الباطن كالمنافق الذي أسلم للتقية حتى يعصم ظاهره في الدنيا فهذا ما فعل ما فعل من الأمور الخيرية التي دعي إليها لخيريتها فما له أجر والذي فعلها وهو مشرك لخيريتها نفعته بالخير المنوي فلا بد أن ينقاد الباطن والظاهر وبالمجموع تحصل الفائدة مكملة لأن الداعي دعاه بالاسم الجامع والمدعو هي من الاسم الجامع لصفة جامعة وهو الحج والحج لا يكون إلا بتكرار القصد فهو جمع في المعنى فما في الكون إلا مسلم فوجب الحج على كل مسلم فلهذا لم يتصور فيه خلاف بين علماء الرسوم وعلماء الحقائق وعالم الحقائق أتم من عالم الرسم في هذه المسألة وأمثالها فإن حج الطفل الرضيع صح حجه ولا تلفظ له بالإسلام ولا يعرف نية الحج ولو مات عندنا قبل البلوغ كتب الله له تلك
(٦٦٩)