بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر وتسمى حاجتك خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر وتذكر حاجتك شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه وأقدر على الخير حيث كان ثم أرضني به فالعارف إذا استخار ربه في حاجة معينة كانت أو مبهمة فيحضر في قلبه عند قوله اللهم أي يا الله اقصد فأدخل هنا الإرادة لأن القصد الإرادة فحذف الهمزة واكتفى بالهاء من اللهم لقربها في المخرج والمجاورة وليدلك بذلك على عظيم الوصلة فإن شرح اللهم أي يا الله أمنا بالخير أي اقصدنا وقوله إني آنية الشئ حقيقته كناية عن نفسه وقوله أستخيرك بعلمك يقول أي يا الله أقصد حقيقتي بما اختاره علمك مما لي فيه خير فإنك تعلم ما يصلح لي من الخير ولا أعلم هذا الذي توجهت في طلبه وتقدر على إيجاده ولا أقدر على ذلك فإن كان لي في فعله وظهور عينه خير فقد علمته فاقدره لي أي افعله لي وإن كان الخير لي في تركه وعدم ظهور عينه فاصرفه عني لكوني استحضرته في خاطري وتخيلته فقد حصل ضرب من الوجود وهو تصوره في خيالي فلا تجعله حاكما علي بظهور عينه فهذا معنى قوله فاصرفه عني ثم قال واصرفني عنه أي حل بيني وبينه واجعل بيني وبينه الحجاب الذي بين الوجود والعدم حتى لا أستحضره ولا يحضرني عينا وتخيلا وقوله واستقدرك بقدرتك لأن القدرة صفة الإيجاد وهي أخص تعلقا من العلم فيصرف بالعلم ويوجد بالقدرة ولا يصرف بها فقدم العلم على القدرة لأنه قد يكون له الخيرة في ترك ما طلب فعله ووجوده فكأنه يقول وإن كان في تحصيل ما طلبت تحصيله خير لي فإني أستقدرك بقدرتك أي أقدرني على تحصيله وإن كان ممن يقول بنسبة الفعل للعبد كالمعتزلة وتكون الإضافة في قوله بقدرتك أي بالقدرة التي تخلقها في عبادك وإن كان ممن لا يقول بنسبة الفعل إلى العبد فقوله بقدرتك يعني قدرة الحق التي هي صفته المنسوبة إليه بحكم الصفة لا بحكم الخلق وقوله فإنك تقدر ولا أقدر يتجه هذا قول من الطائفتين أي فإنك تقدر أن تخلق لي القدرة على فعله إن كان قد علمت إن لي فيه خيرا وقد يريد الإخبار عن حقيقة نفي القدرة عن العبد فيقول فإنك تقدر على إيجاده وتحصيل ما طلبته ولا أقدر أي ما لي قدرة أحصله بها لعلمه أن القدرة الحادثة ما لها التكوين ولا تتعدى محلها وقوله وأرضني به أي اجعل الفرح والسرور عندي بحصوله أو بعدم حصوله من أجل ما اخترته لي في سابق علمك وأقدر لي الخير حيث كان وأنت أعلم بالأماكن والزمان والأحوال التي لي الخير فيها من غيرها فإنك أنت علام الغيوب أي ما غاب عنا من ذلك تعلمه أنت ولا أعلمه أنا ثم لتعلم إن العلم بالأمر لا يتضمن شهوده فدل إن نسبة رؤيتك الأشياء غير نسبة علمك بها فالنسبة العلمية تتعلق بالشهادة والغيب فكل مشهود معلوم ما شهد منه وما كل معلوم مشهود وما ورد في الشرع قط إن الله يشهد الغيوب وإنما ورد يعلم الغيوب ولهذا وصف نفسه بالرؤية فقال ألم يعلم بأن الله يرى ووصف نفسه بالبصر وبالعلم ففرق بين النسب وميز بعضها عن بعض ليعلم ما بينها ولما لم يتصور أن يكون في حق الله غيب علمنا إن الغيب أمر إضافي لما غاب عنا فكأنه يقول من يقول وأنت علام الغيوب أي ما غاب عنا وكذلك عالم الغيب والشهادة أي ما غاب عنا وما نشهده ويشهده وما يلزم من شهود الشئ العلم بحده وحقيقته ويلزم من العلم بالشئ العلم بحده وحقيقته عدما كان أو وجودا وإلا فما علمته والأشياء كلها مشهودة للحق في حال عدمها ولو لم تكن كذلك لما خصص بعضها بالإيجاد عن بعض إذ العدم المحض الذي ليس فيه أعيان ثابتة لا يقع فيه تمييز شهود بخلاف عدم الممكنات فكون العلم ميز الأشياء بعضها عن بعض وفصل بعضها عن بعض هو المعبر عنه بشهوده إياها وتعيينه لها أي هي بعينه يراها وإن كانت موصوفة بالعدم فما هي معدومة لله الحق من حيث علمه بها كما إن تصور الإنسان المخترع للأشياء صورة ما يريد اختراعها في نفسه ثم يبرزها فيظهر عينها لها فاتصفت بالوجود العيني وكانت في حال عدمها موصوفة بالوجود في الوجود الذهني في حقنا والوجود العلمي في حق الله فظهور الأشياء من وجود إلى وجود من وجود علم إلى وجود عين والمحال الذي هو العدم المحض ما فيه أعيان تمييز فهذا معنى بعض ما يتضمنه دعاء الاستخارة وأما قوله ويسره لي يريد الأسباب التي هي علامات ودلائل على تحصيل المطلوب
(٥٣٨)