صلاتك على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فهذا يدلك على اختلاف الصلاة الإلهية لاختلاف أحوال المصلى عليهم ومقاماتهم عند الله ويظهر من هذا الحديث فضل إبراهيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلب أن يصلي عليه مثل الصلاة على إبراهيم فاعلم إن الله أمرنا بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأمرنا بالصلاة على آله في القرآن وجاء الإعلام في تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا الصلاة عليه بزيادة الصلاة على الآل فما طلب صلى الله عليه وسلم الصلاة من الله عليه مثل صلاته على إبراهيم من حيث أعيانهما فإن العناية الإلهية برسول الله صلى الله عليه وسلم أتم إذ قد خص بأمور لم يخص بها نبي قبله لا إبراهيم ولا غيره وذلك من صلاته تعالى عليه فكيف يطلب الصلاة من الله عليه مثل صلاته على إبراهيم من حيث عينه وإنما المراد من ذلك ما أبينه إن شاء الله وذلك أن الصلاة على الشخص قد تصلي عليه من حيث عينه ومن حيث ما يضاف إليه غيره فكان الصلاة من حيث ما يضاف إليه غيره هي الصلاة من حيث المجموع إذ للمجموع حكم ليس للواحد إذا انفرد واعلم أن آل الرجل في لغة العرب هم خاصته الأقربون إليه وخاصة الأنبياء وآلهم هم الصالحون العلماء بالله المؤمنون وقد علمنا إن إبراهيم كان من آله أنبياء ورسل لله ومرتبة النبوة والرسالة قد ارتفعت في الشاهد في الدنيا فلا يكون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته نبي يشرع الله له خلاف شرع محمد صلى الله عليه وسلم ولا رسول وما منع المرتبة ولا حجرها من حيث لا تشريع ولا سيما وقد قال صلى الله عليه وسلم فيمن حفظ القرآن إن النبوة أدرجت بين جنبيه أو كما قال صلى الله عليه وسلم وقال في المبشرات إنها جزء من أجزاء النبوة فوصف بعض أمته بأنهم قد حصل لهم المقام وإن لم يكونوا على شرع يخالف شرعه وقد علمنا بما قال لنا صلى الله عليه وسلم إن عيسى عليه السلام ينزل فينا حكما مقسطا عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ولا نشك قطعا أنه رسول الله ونبيه وهو ينزل فله عليه السلام مرتبة النبوة بلا شك عند الله وما له مرتبة التشريع عند نزوله فعلمنا بقوله صلى الله عليه وسلم إنه لا نبي بعدي ولا رسول وأن النبوة قد انقطعت والرسالة إنما يريد بهما التشريع فلما كانت النبوة أشرف مرتبة وأكملها ينتهي إليها من اصطفاه الله من عباده علمنا إن التشريع في النبوة أمر عارض بكون عيسى عليه السلام ينزل فينا حكما من غير تشريع وهو نبي بلا شك فخفيت مرتبة النبوة في الخلق بانقطاع التشريع ومعلوم أن آل إبراهيم من النبيين والرسل الذين كانوا بعده مثل إسحاق ويعقوب ويوسف ومن انتسل منهم من الأنبياء والرسل بالشرائع الظاهرة الدالة على إن لهم مرتبة النبوة عند الله أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحق أمته وهم آله العلماء الصالحون منهم بمرتبة النبوة عند الله وإن لم يشرعوا ولكن أبقى لهم من شرعه ضربا من التشريع فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد أي صل عليه من حيث ما له آل كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم أي من حيث إنك أعطيت آل إبراهيم النبوة تشريفا لإبراهيم فظهرت نبوتهم بالتشريع وقد قضيت إن لا شرع بعدي فصل علي وعلى آلي بأن تجعل لهم مرتبة النبوة عندك وإن لم يشرعوا فكان من كمال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ألحق آله بالأنبياء في المرتبة وزاد على إبراهيم بأن شرعه لا ينسخ وبعض شرع إبراهيم ومن بعده نسخت الشرائع بعضها بعضا وما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه على هذه الصورة إلا بوحي من الله وبما أراه الله وأن الدعوة في ذلك مجابة فقطعنا أن في هذه الأمة من لحقت درجته درجة الأنبياء في النبوة عند الله لا في التشريع ولهذا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكد بقوله فلا رسول بعدي ولا نبي فأكد بالرسالة من أجل التشريع فأكرم الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن جعل آله شهداء على أمم الأنبياء كما جعل الأنبياء شهداء على أممهم ثم إنه خص هذه الأمة أعني علماءها بأن شرع لهم الاجتهاد في الأحكام وقرر حكم ما أداه إليه اجتهادهم وتعبدهم به وتعبد من قلدهم به كما كان حكم الشرائع للأنبياء ومقلديهم ولم يكن مثل هذا لأمة نبي ما لم يكن نبي بوحي منزل فجعل الله وحي علماء هذه الأمة في اجتهادهم كما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم لتحكم بين الناس بما أراك الله فالمجتهد ما حكم إلا بما أراه الله في اجتهاده فهذه نفحات من نفحات التشريع ما هو عين التشريع فلآل محمد صلى الله عليه وسلم وهم المؤمنون من أمته العلماء مرتبة النبوة عند الله تظهر في الآخرة وما لها حكم في الدنيا إلا هذا القدر من الاجتهاد المشروع لهم فلم يجتهدوا في الدين
(٥٤٥)