فتعالى عما أشرك به المشركون فكان أول اسم كتبه ذلك القلم الأسمى دون غيره من الأسماء إني أريد أن أخلق من أجلك يا محمد العالم الذي هو ملكك فأخلق جوهرة الماء فخلقتها دون حجاب العزة الأحمى وأنا على ما كنت عليه ولا شئ معي في عما فخلق الماء سبحانه بردة جامدة كالجوهرة في الاستدارة والبياض وأودع فيها بالقوة ذوات الأجسام وذوات الأعراض ثم خلق العرش واستوى عليه اسمه الرحمن ونصب الكرسي وتدلت إليه القدمان فنظر بعين الجلال إلى تلك الجوهرة فذابت حياء وتحللت أجزاؤها فسألت ماء وكان عرشه على ذلك الماء قبل وجود الأرض والسماء وليس في الوجود إذ ذاك إلا حقائق المستوي عليه والمستوي والاستواء فأرسل النفس فتموج الماء من زعزعه وأزبد وصوت بحمد الحمد المحمود الحق عند ما ضرب بساحل العرش فاهتز الساق وقال له أنا أحمد فخجل الماء ورجع القهقري يريد ثبجه وترك زبده بالساحل الذي أنتجه فهو مخضة ذلك الماء الحاوي على أكثر الأشياء فأنشأ سبحانه من ذلك الزبد الأرض مستديرة النش ء مدحية الطول والعرض ثم أنشأ الدخان من نار احتكاك الأرض عند فتقها ففتق فيه السماوات العلي وجعله محل الأنوار ومنازل الملأ الأعلى وقابل بنجومها المزينة لها النيرات ما زين به الأرض من أزهار النبات وتفرد تعالى لآدم وولديه بذاته جلت عن التشبيه ويديه فأقام نشأة جسدية وسواها تسويتين تسوية انقضاء أمده وقبول أبده وجعل مسكن هذه النشأة نقطة كرة الوجود وأخفى عينها ثم نبه عباده عليها بقوله تعالى بغير عمد ترونها فإذا انتقل الإنسان إلى برزخ الدار الحيوان مارت قبة السماء وانشقت فكانت شعلة نار سيال كالدهان فمن فهم حقائق الإضافات عرف ما ذكرنا له من الإشارات فيعلم قطعا إن قبة لا تقوم من غير عمد كما لا يكون والد من غير إن يكون له ولد فالعمد هو المعنى الماسك فإن لم ترد أن يكون الإنسان فاجعله قدرة المالك فتبين أنه لا بد من ماسك يمسكها وهي مملكة فلا بد لها من مالك يملكها ومن مسكت من أجله فهو ماسكها ومن وجدت له بسببه فهو مالكها ولما أبصرت حقائق السعداء والأشقياء عند قبض القدرة عليها بين العدم والوجود وهي حالة الإنشاء حسن النهاية بعين الموافقة والهداية وسوء الغاية بعين المخالفة والغواية سارعت السعيدة إلى الوجود وظهر من الشقية التثبط والإباية ولهذا أخبر الحق عن حالة السعداء فقال أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون يشير إلى تلك السرعة وقال في الأشقياء فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين يشير إلى تلك الرجعة فلولا هبوب تلك النفحات على الأجساد ما ظهر في هذا العالم سالك غي ولا رشاد ولتلك السرعة والتثبط أخبرتنا صلى الله عليك إن رحمة الله سبقت غضبه هكذا نسب الراوي إليك ثم أنشأ سبحانه الحقائق على عدد أسماء حقه وأظهر ملائكة التسخير على عدد خلقه فجعل لكل حقيقة اسما من أسمائه تعبده وتعلمه وجعل لكل سر حقيقة ملكا يخدمه ويلزمه فمن الحقائق من حجبته رؤية نفسه عن اسمه فخرج عن تكليفه وحكمه فكان له من الجاحدين ومنهم من ثبت الله أقدامه واتخذ اسمه أمامه وحقق بينه وبينه العلامة وجعله أمامه فكان له من الساجدين ثم استخرج من الأب الأول أنوار الأقطاب شموسا تسبح في أفلاك المقامات واستخرج أنوار النجباء نجوما تسبح في أفلاك الكرامات وثبت الأوتاد الأربعة للأربعة الأركان فانحفظ بهم الثقلان فأزالوا ميد الأرض وحركتها فسكنت فازينت بحلي أزهارها وحلل نباتها وأخرجت بركتها فتنعمت أبصار الخلق بمنظرها البهي ومشامهم بريحها العطري وأحناكهم بمطعومها الشهي ثم أرسل الأبدال السبعة إرسال حكيم عليم ملوكا على السبعة الأقاليم لكل بدل إقليم ووزر للقطب الإمامين وجعلهما إمامين على الزمامين فلما أنشأ العالم على غاية الإتقان ولم يبق أبدع منه كما قال الإمام أبو حامد في الإمكان وأبرز جسدك صلى الله عليك للعيان أخبر عنك الراوي أنك قلت يوما في مجلسك إن الله كان ولا شئ معه بل هو على ما عليه كان وهكذا هي صلى الله عليك حقائق الأكوان فما زادت هذه الحقيقة على جميع الحقائق إلا بكونها سابقة وهن لواحق إذ من ليس مع شئ فليس معه شئ ولو خرجت
(٤)