مشتمل برداء حيائه مقبل على شأنه فالتفت السيد الأعلى والمورد العذب الأحلى والنور الأكشف الأجلى فرآني وراء الختم لاشتراك بيني وبينه في الحكم فقال له السيد هذا عديلك وابنك وخليلك أنصب له منبر الطرفاء بين يدي ثم أشار إلى أن قم يا محمد عليه فأثن على من أرسلني وعلي فإن فيك شعرة مني لا صبر لها عني هي السلطانة في ذاتيتك فلا ترجع إلي إلا بكليتك ولا بد لها من الرجوع إلى اللقاء فإنها ليست من عالم الشقاء فما كان مني بعد بعثي شئ في شئ إلا سعد وكان ممن شكر في الملأ الأعلى وحمد فنصب الختم المنبر في ذلك المشهد الأخطر وعلى جبهة المنبر مكتوب بالنور الأزهر هذا هو المقام المحمدي الأطهر من رقى فيه فقد ورثه وأرسله الحق حافظا لحرمة الشريعة وبعثه ووهبت في ذلك الوقت مواهب الحكم حتى كأني أوتيت جوامع الكلم فشكرت الله عز وجل وصعدت أعلاه وحصلت في موضع وقوفه صلى الله عليه وسلم ومستواه وبسط لي على الدرجة التي أنا فيها كم قميص أبيض فوقفت عليه حتى لا أباشر الموضع الذي باشره صلى الله عليه وسلم بقدميه تنزيها له وتشريفا وتنبيها لنا وتعريفا أن المقام الذي شاهده من ربه لا يشاهده الورثة إلا من وراء ثوبه ولولا ذلك لكشفنا ما كشف وعرفنا ما عرف ألا ترى من تقفو أثره لتعلم خبره لا تشاهد من طريق سلوكه ما شهد منه ولا تعرف كيف تخبر بسلب الأوصاف عنه فإنه شاهد مثلا ترابا مستويا لا صفة له فمشى عليه وأنت على أثره لا تشاهد إلا أثر قدميه وهنا سر خفي إن بحثت عليه وصلت إليه وهو من أجل أنه إمام وقد حصل له الإمام لا يشاهد أثرا ولا يعرفه فقد كشفت ما لا يكشفه وهذا المقام قد ظهر في إنكار موسى صلى الله على سيدنا وعليه وعلى الخضر فلما وقفت ذلك الموقف الأسنى بين يدي من كان من ربه في ليلة إسرائه قاب قوسين أو أدنى قمت مقنعا خجلا ثم أيدت بروح القدس فافتتحت مرتجلا يا منزل الآيات والأنباء * أنزل على معالم الأسماء حتى أكون لحمد ذاتك جامعا * بمحامد السراء والضراء ثم أشرت إليه صلى الله عليه وسلم ويكون هذا السيد العلم الذي * جردته من دورة الخلفاء وجعلته الأصل الكريم وآدم * ما بين طينة خلقه والماء * ونقلته حتى استدار زمانه وعطفت آخره على الإبداء وأقمته عبدا ذليلا خاضعا * دهرا يناجيكم بغار حراء حتى أتاه مبشرا من عندكم * جبريل المخصوص بالأنباء قال السلام عليك أنت محمد * سر العباد وخاتم النباء يا سيدي حقا أقول فقال لي * صدقا نطقت فأنت ظل ردائي فاحمد وزد في حمد ربك جاهدا * فلقد وهبت حقائق الأشياء وانثر لنا من شأن ربك ما انجلى * لفؤادك المحفوظ في الظلماء من كل حق قائم بحقيقة * يأتيك مملوكا بغير شراء ثم شرعت في الكلام بلسان العلام فقلت وأشرت إليه صلى الله عليه وسلم حمدت من أنزل عليك الكتاب المكنون الذي لا يمسه إلا المطهرون المنزل بحسن شيمك وتنزيهك عن الآفات وتقديسك فقال في سورة ن (بسم الله الرحمن الرحيم) ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم فستبصر ويبصرون ثم غمس قلم الإرادة في مداد العلم وخط بيمين القدرة في اللوح المحفوظ المصون كل ما كان وما هو كائن وسيكون وما لا يكون مما لو شاء وهو لا يشاء أن يكون لكان كيف يكون من قدره المعلوم الموزون وعلمه الكريم المخزون فسبحان ربك رب العزة عما يصفون ذلك الله الواحد الأحد
(٣)