خلق الله الفلك الأطلس ودار لم يتعين اليوم ولا ظهر له عين فإنه مثل ماء الكوز في النهر قبل إن يكون في الكوز فلما فرض فيه لاثني عشر فرضا ووقتت معينة وسماها بروجا في ذلك الفلك وهو قوله تعالى والسماء لعلوها علينا ذات البروج وهي هذه الفروض الموقتة ووقف شخص يدور عليه هذا الفلك وجعل لهذا الشخص بصر عاين بها تلك الفروض بعلامات جعلت له فيها فتميز عنده بعضها عن بعض بتلك العلامات المجعولة دلالات عليها فجعل عينه في فرض منها أعني في العلامة ثم دار الفلك بتلك العلامة المفروضة التي جعل عينه عليها هذا الناظر وغابت عنه وما برح واقفا في موضعه ذلك حتى انتهت إليه تلك العلامة فعلم عند ذلك أن الفلك قد دار دورة واحدة بالنسبة إلى هذا الناظر لا بالنسبة إلى الفلك فسمينا تلك الدورة يوما ثم بعد ذلك خلق الله في السماء الرابعة من السبع السماوات كوكبا نيرا عظيم الجرم سماه باللسان العربي شمسا فطلع له به في نظره ذلك الفلك من خلف حجاب الأرض الذي هذا الناظر عليها فسمى ذلك المطلع مشرقا والطلوع شروقا لكون ذلك الكوكب المنير طلع منه وأضاء به الجو الذي هذا الناظر فيه فما زال يتبع بصره حركة ذلك الكوكب إلى أن قارنه فسمى تلك القارنة استواء ثم أخذ الكوكب نازلا عن استواءه عند هذا الناظر يطلب جهة اليمين منه لا بالنظر إلى الكوكب في نفسه كما قلنا فسمى أول انفصاله في عين الناظر عن الاستواء زوالا ودلوكا ثم ما زال هذا الناظر يتبعه بصره إلى أن غاب جرم ذلك الكوكب فسمى مغيبه غروبا والموضع الذي رأى بصره أنه غاب فيه مغربا وأظلم عليه الجو فسمى مدة استنارة الجو من مشرق ذلك الكوكب إلى مغربه نهارا لاتساع النور فيه مأخوذ من النهر الذي هو اتساع الماء في المسيل الذي يجري فيه فما زال الناظر في ظلمة إلى أن طلع الكوكب المسمى شمسا من الموضع الذي سماه مشرقا في عين الناظر من موضع آخر متصل بذلك الموضع الذي شرقت منه أمس المسمى درجة فسمى مدة تلك الظلمة التي بقي فيها من وقت غروب الشمس إلى طلوعها ليلا فكان اليوم مجموع الليل والنهار معا وسمي المواضع التي يطلع منها هذا الكوكب كل يوم درجا ثم نظر إلى هذا الكوكب النير المسمى شمسا ينتقل في تلك الفروض المقدرة في الفلك المحيط درجة درجة حتى يقطع ذلك بشروق تسمى أياما فكلما أكمل قطع فرض من تلك الفروض شرع في قطع فرض آخر إلى أن أكمل الاثني عشر فرضا بالقطع ثم شرع يبتدئ كرة أخرى في قطع تلك الفروض فسمى ابتداء قطع كل فرض إلى انتهاء قطع ذلك الفرض شهرا وسمي قطع تلك الفروض كلها سنة فتبين لك أن الليل والنهار واليوم والشهر والسنة هي هذه المعبر عنها بالأوقات وتدق إلى مسمى الساعات ودونها وأن ذلك كله لا وجود له في عينه وأنه نسب وإضافات وإن الموجود إنما هو عين الفلك والكوكب لا عين الوقت والزمان وأنها مقدرات فيها أعني الأوقات وتبين لك أن الزمان عبارة عن الأمر المتوهم الذي فرضت فيه هذه الأوقات فالوقت فرض متوهم في عين موجودة وهو الفلك والكوكب يقطع حركة ذلك الفلك والكوكب بالفرض المفروض فيه في أمر متوهم لا وجود له يسمى الزمان وقد أبنت لك حقيقة الزمان الذي جعله الله ظرفا للكائنات المتحيزات الداخلة تحت هذا الفلك الموقت فيه المفروض في عينه تعيين الأوقات ليقال خلق كذا وظهر كذا في وقت كذا ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا سبحانه لا إله إلا هو الحكيم القدير وبعد أن علمت ما معنى الزمان والوقت فاعتبره أي جزه واقطعه إلى معرفة الأزل الذي تنعت به خالقك وتجعله له كالزمان لك وإذا كان الزمان لك بهذه النسبة أمرا نسبيا لا حقيقة له في عينه وأنت محدود مخلوق فالأزل أبعد وأبعد أن يكون حد الوجود الله في قولك وقول من قال أن الله تكلم في الأزل وقال في الأزل وقدر في أزله كذا وكذا ويتوهم بالوهم فيه أنه امتداد كما تتوهم امتداد الزمان في حقك فهذا من حكم الوهم لا من حكم العقل والنظر الصحيح فإن مدلول لفظة الأزل إنما هو عبارة عن نفي الأولية لله تعالى أي لا أول لوجوده بل هو عين الأول سبحانه لا بأولية تحكم عليه فيكون تحت إحاطتها ومعلولا عنها وفرق بين ما يعطيه وهمك وعقلك وأكثر من هذا البسط في هذه المسألة ما يكون فالحق سبحانه يقدر الأشياء أزلا ولا يقال يوجد أزلا فإنه محال من وجهين فإن كونه موجدا إنما هو بأن يوجد ولا يوجد ما هو موجود وإنما يوجد ما لم يكن موصوفا لنفسه بالوجود وهو المعدوم فمحال أن يتصف الموجود الذي كان معدوما بأنه موجود أزلا فإنه موجود عن موجود أوجده والأزل
(٣٨٨)