فمذكور في اللسان العربي قال تعالى فكانت هباء منبثا كذلك لما رآها علي بن أبي طالب أعني هذه الجوهرة منبثة في جميع الصور الطبيعية كلها وأنها لا تخلو صورة منها إذ لا تكون صورة إلا في هذه الجوهرة سماها هباء وهي مع كل صورة بحقيقتها لا تنقسم ولا تتجزى ولا تتصف بالنقص بل هي كالبياض الموجود في كل أبيض بذاته وحقيقته ولا يقال قد نقص من البياض قدر ما حصل منه في هذا الأبيض فهذا مثل حال هذه الجوهرة وعين الله سبحانه بين هذا الروح الموصوف بالصفتين وبين الهباء أربع مراتب وجعل كل مرتبة منزلا لأربعة أملاك وجعل هؤلاء الأملاك كالولاة على ما أحدثه سبحانه دونهم من العالم من عليين إلى أسفل سافلين ووهب كل ملك من هؤلاء الملائكة علم ما يريد إمضائه في العالم فأول شئ أوجده الله في الأعيان مما يتعلق به علم هؤلاء الملائكة وتدبيرهم الجسم الكلي وأول شكل فتح في هذا الجسم الشكل الكري المستدير إذ كان أفضل الأشكال ثم نزل سبحانه بالإيجاد والخلق إلى تمام الصنعة وجعل جميع ما خلقه تعالى مملكة لهؤلاء الملائكة وولاهم أمورها في الدنيا والآخرة وعصمهم عن المخالفة فيما أمرهم به فأخبرنا سبحانه أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ولما انتهى خلق المولدات من الجمادات والنبات والحيوان بانتهاء إحدى وسبعين ألف سنة من سنى الدنيا مما نعد ورتب العالم ترتيبا حكميا ولم يجمع سبحانه لشئ مما خلقه من أول موجود إلى آخر مولود وهو الحيوان بين يديه تعالى إلا للإنسان وهي هذه النشأة البدنية الترابية بل خلق كل ما سواها إما عن أمر إلهي أو عن يد واحدة قال تعالى إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون فهذا عن أمر إلهي وورد في الخبر أن الله عز وجل خلق جنة عدن بيده وكتب التوراة بيده وغرس شجرة طوبى بيده وخلق آدم الذي هو الإنسان بيديه فقال تعالى لإبليس على جهة التشريف لآدم ع ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ولما خلق الله الفلك الأدنى الذي هو الأول المذكور آنفا قسمه اثني عشر قسما سماها قال تعالى والسماء ذات البروج فجعل كل قسم برجا وجعل تلك الأقسام ترجع إلى أربعة في الطبيعة ثم كرر كل واحد من الأربعة في ثلاثة مواضع منه وجعل هذه الأقسام كالمنازل والمناهل التي ينزل فيها المسافرون ويسير فيها السائرون في حال سيرهم وسفرهم لينزل في هذه الأقسام عند سير الكواكب فيها وسياحتهم ما يحدث الله في جوف هذا الفلك من الكواكب التي تقطع بسيرها في هذه البروج ليحدث الله عند قطعها وسيرها ما شاء أن يحدث الله في جوفي هذا الفلك من الكواكب التي تقطع بسيرها في هذه البروج ليحدث الله عند قطعها وسيرها ما شاء أن يحدث من العالم الطبيعي والعنصري وجعلها علامات على أثر حركة فلك البروج فاعلم فقسم من هذه الأربعة طبيعته الحرارة واليبوسة والثاني البرودة واليبوسة والثالث الحرارة والرطوبة والرابع البرودة والرطوبة وجعل الخامس والتاسع من هذه الأقسام مثل الأول وجعل السادس والعاشر مثل الثاني وجعل السابع والحادي عشر مثل الثالث وجعل الثامن والثاني عشر مثل الرابع أعني في الطبيعة فحصر الأجسام الطبيعية بخلاف والأجسام العنصرية بلا خلاف في هذه الأربعة التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ومع كونها أربعا أمهات فإن الله جعل اثنين منها أصلا في وجود الاثنين الآخرين فانفعلت اليبوسة عن الحرارة والرطوبة عن البرودة فالرطوبة واليبوسة موجودتان عن سببين هما الحرارة والبرودة ولهذا ذكر الله في قوله تعالى ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين لأن المسبب يلزم من كونه مسببا وجود السبب أو منفعلا وجود الفاعل كيف شئت فقل ولا يلزم من وجود السبب وجود المسبب ولما خلق الله هذا الفلك الأول دار دورة غير معلومة الانتهاء إلا لله تعالى لأنه ليس فوقه شئ محدود من الأجرام يقطع فيه فإنه أول الأجرام الشفافة فتتعدد الحركات وتتميز ولا كان قد خلق الله في جوفه شيئا فتتميز الحركات وتنتهي عند من يكون في جوفه ولو كان لم تتميز أيضا لأنه أطلس لا كوكب فيه متشابه الأجزاء فلا يعرف مقدار الحركة الواحدة منه ولا تتعين فلو كان فيه جزء مخالف لسائر أجزائه عد به حركاته بلا شك ولكن علم الله قدرها وانتهاءها وكرورها فحدث عن تلك الحركة اليوم ولم يكن ثم ليل ولا نهار في هذا اليوم ثم استمرت حركات هذا الفلك فخلق الله ملائكة خمسة وثلاثين ملكا أضافهم إلى ما ذكرناه من الأملاك الستة عشر فكان الجميع أحدا وخمسين ملكا من جملة هؤلاء الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ثم خلق تسعمائة ملك وأربعا وسبعين وأضافهم إلى ما ذكرناه من الأملاك وأوحى إليهم وأمرهم بما يجري على أيديهم في خلقه فقالوا
(١٢٢)