ما برز عليه في نفسه من الصورة فعلمه بنفسه علمه بنا أزلا لا عن عدم فعلمه بنا كذلك فمثالنا الذي هو عين علمه بنا قديم بقدم الحق لأنه صفة له ولا تقوم بنفسه الحوادث جل الله عن ذلك وأما قولنا ولم وجد وما غايته يقول الله عز وجل وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فصرح بالسبب الذي لأجله أوجدنا وهكذا العالم كله وخصصنا والجن بالذكر والجن هنا كل مستتر من ملك وغيره وقد قال تعالى في حق السماوات والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين وكذلك قال فأبين أن يحملنا وذلك لما كان عرضا وأما لو كان أمرا لأطاعوا وحملوها فإنه لا تتصور منهم معصية جبلوا على ذلك والجن الناري والإنس ما جبلا على ذلك وكذلك من الإنس أصحاب الأفكار من أهل النظر والأدلة المقصورة على الحواس والضرورات والبديهيات يقولون لا بد أن يكون المكلف عاقلا بحيث يفهم ما يخاطب به وصدقوا وكذلك هو الأمر عندنا العالم كله عاقل حي ناطق من جهة الكشف بخرق العادة التي الناس عليها أعني حصول العلم بهذا عندنا غير أنهم قالوا هذا جماد لا يعقل ووقفوا عند ما أعطاهم بصرهم والأمر عندنا بخلاف ذلك فإذا جاء عن نبي أن حجرا كلمه أو كتف شاة أو جذع نخلة أو بهيمة يقولون خلق الله فيه الحياة والعلم في ذلك الوقت والأمر عندنا ليس كذلك بل سر الحياة في جميع العالم وأن كل من يسمع المؤذن من رطب ويابس يشهد له ولا يشهد إلا من علم هذا عن كشف عندنا لا عن استنباط من نظر بما يقتضيه ظاهر خبر ولا غير ذلك ومن أراد أن يقف عليه فليسلك طريق الرجال وليلزم الخلوة والذكر فإن الله سيطلعه على هذا كله عينا فيعلم إن الناس في عماية عن إدراك هذه الحقائق فأوجد العالم سبحانه ليظهر سلطان الأسماء فإن قدرة بلا مقدور وجودا بلا عطاء ورازقا بلا مرزوق ومغيثا بلا مغاث ورحيما بلا مرحوم حقائق معطلة التأثير وجعل العالم في الدنيا ممتزجا مزج القبضتين في العجنة ثم فصل الأشخاص منها فدخل من هذه في هذه من كل قبضة في أختها فجهلت الأحوال وفي هذا تفاضلت العلماء في استخراج الخبيث من الطيب والطيب من الخبيث وغايته التخليص من هذه المزجة وتمييز القبضتين حتى تنفرد هذه بعالمها وهذه بعالمها كما قال الله تعالى ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم فمن بقي فيه شئ من المزجة حتى مات عليها لم يحشر يوم القيامة من الآمنين ولكنه منهم من يتخلص من المزجة في الحساب ومنهم من لا يتخلص منها إلا في جهنم فإذا تخلص أخرج فهؤلاء هم أهل الشفاعة وأما من تميز هنا في إحدى القبضتين انقلب إلى الدار الآخرة بحقيقته من قبره إلى نعيم أو إلى عذاب وجحيم فإنه قد تخلص فهذا غاية العالم وهاتان حقيقتان راجعتان إلى صفة هو الحق عليها في ذاته ومن هنا قلنا يرونه أهل النار معذبا وأهل الجنة منعما وهذا سر شريف ربما تقف عليه في الدار الآخرة عند المشاهدة إن شاء الله وقد نالها المحققون في هذه الدار وأما قولنا في هذا الباب ومعرفة أفلاك العالم الأكبر والأصغر الذي هو الإنسان فأعني به عوالم كلياته وأجناسه وأمراؤه الذين لهم التأثير في غيرهم وجعلتها مقابلة هذا نسخة من هذا وقد ضربنا لها دوائر على صور الأفلاك وترتيبها في كتاب إنشاء الدوائر والجداول الذي بدأنا وضعه بتونس بمحل الإمام أبي محمد عبد العزيز ولينا وصفينا رحمه الله فلنلق منه في هذا الباب ما يليق بهذا المختصر فنقول إن العوالم أربعة العالم الأعلى وهو عالم البقاء ثم عالم الاستحالة وهو عالم الفناء ثم عالم التعمير وهو عالم البقاء والفناء ثم عالم النسب وهذه العوالم في موطنين في العالم الأكبر وهو ما خرج عن الإنسان وفي العالم الأصغر وهو الإنسان (فأما العالم الأعلى) فالحقيقة المحمدية وفلكها الحياة نظيرها من الإنسان اللطيفة والروح القدسي ومنهم العرش المحيط ونظيره من الإنسان الجسم ومن ذلك الكرسي ونظيره من الإنسان النفس ومن ذلك البيت المعمور ونظيره من الإنسان القلب ومن ذلك الملائكة ونظيرها من الإنسان الأرواح التي فيه والقوي ومن ذلك زحل وفلكه نظيره من الإنسان القوة العلمية والنفس ومن ذلك المشتري وفلكه نظيرهما القوة الذاكرة ومؤخر الدماع ومن ذلك الأحمر وفلكه نظيرهما القوة العاقلة واليافوخ ومن ذلك الشمس وفلكها نظيرهما القوة المفكرة ووسط الدماع ثم الزهرة وفلكها نظيرهما القوة الوهمية والروح الحيواني ثم الكاتب وفلكه نظيرهما القوة الخيالية ومقدم الدماع ثم القمر وفلكه نظيرهما القوة الحسية والجوارح التي تحس فهذه طبقات العالم الأعلى ونظائره من الإنسان (وأما عالم
(١٢٠)